جاءتني أخت أمريكية مسلمة وسألت: أنا تزوجت من زوجي منذ عام، ولكن زواجي تم في المسجد على يد إمام ولم يكن معنا رجال غيره، ولكن كان معنا ثلاث نساء.
الآن جاءت إحدى الأخوات وقالت لي: إن زواجكما باطل؛ لعدم وجود اثنين من الرجال للشهادة على العقد؟ فوعدتها بأن آتي لها بالإجابة. فتفضل علينا وجزاكم الله خيرًا.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فقد اختلف أهل العلم في اشتراط الذكورة في الشهود على عقد الزواج، والجمهور من الشافعية(1) والحنابلة(2) على اشتراطها، فإن عقد الزواج بشهادة رجل وامرأتين لا يصحُّ؛ لما رواه أبو عبيد عن الزهري أنه قال: مضت السُّنَّة عن رسول الله ﷺ أنه لا يجوز شهادة النساء في الحدود، ولا في النكاح، ولا في الطلاق(3). ولأن عقد الزواج عقد ليس بمال، ولا المقصود منه المال، ويحضره الرجل غالبًا، فلا يثبت بشهادتهن كالحدود.
والأحناف(4) لا يشترطون هذا الشرط، ويرون أن شهادةَ رجلين أو رجل وامرأتين كافية؛ لقول الله تعالى: { وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282]؛ ولأنه مثل البيع في أنه عقد معارضة فينعقد بشهادتهن مع الرجال.
ومهما أمكن تصحيح عقود الأنكحة المستقرة على مذهب من المذاهب فلا ينبغي التقحم على إبطالها؛ فإن الجرأة على ذلك غير محمودة.
والخلاصة أن هذا العقد صحيح على مذهب أبي حنيفة، ويستحب تجديده بحضرة اثنين من الشهود العدول خروجًا من الخلاف. والله تعالى أعلى وأعلم.
_________________
(1) جاء في «البجيرمي على الخطيب» (3/387-392): «(ويفتقر الولي والشاهدان) المعتبرون لصحة النكاح (إلى ستة شرائط)… ( و ) الخامس : ( الذكورة ) فلا تملك المرأة تزويج نفسها بحال لا بإذن ولا بغيره ، سواء الإيجاب والقبول إذ لا يليق بمحاسن العادات دخولها فيه لما قصد منها من الحياء وعدم ذكره أصلا وقد قال الله تعالى : { الرجال قوامون على النساء } ولا تزوج غيرها بولاية ولا وكالة لخبر: (لا تزوج المرأة المرأة ، ولا المرأة نفسها)».
(2) جاء في «المبدع» (6/108-112): «ويشترط في الولي الحرية، والذكورية، واتفاق الدين والعقل».
(3) ذكره ابن قدامة في «المغني» (7/8-11) وعزاه لأبي عبيد في كتاب «الأموال».
(4) جاء في «بدائع الصنائع» (2/255-256): «ذكورة الشاهدين ليست بشرط عندنا وينعقد النكاح بحضور رجل وامرأتين عندنا».
