القول الفصل في إتيان المرأة في دبرها

قرأت بحثًا مفصلًا يقول بأن إتيان الرجل امرأته من دبرها لا يوجد فيه إجماع بحرمته، وكل ما ورد من أحاديثَ فهي ضعيفة، كحديث ابن عباس وأبي هريرة، كل حديث مرفوع رُوي في النهي عن إتيان النساء في الدبر أو ذمِّه فهو ضعيف لا يصح، وقد ضعفه الأئمة: البخاري، والنسائي، والحاكم، وأبو علي النيسابوري، وغيرهم.
وانظر «تلخيص الحبير» لابن حجر؛ فإن فيه ذكرًا لمن ضعَّفوها، فما هو القول الراجح بدليل قطعي لو سمحت يا شيخ؟ فالأمر التبس عند بعض الإخوة، وهل صحيح أن ابن عمر رضي الله عنه قال: لا بأس به، وكذلك الإمام مالك وغيرهما؟

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فقولك بأن إتيان المرأة في دبرها لا يوجد فيه إجماع؛ فقد علمت أيها الموفق أنه ليس كلُّ خلافٍ معتبرًا، وأن شواذَّ الأقوال لا تقدح في أحكام المسائل، ولله درُّ القائل:

  • وليس كلُّ خلاف جاء معتبرًا
  •  إلا خلافٌ له حظٌّ من النظر(1)

 

وأما قولك بأنه لم يرد في الباب حديث صحيح، فليس بإطلاقه، فقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم  من فعل هذا فقال: «مَلْعُونٌ مَنْ أَتَى امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا»(2).
إن إتيانَ الزوجة في الدبر محرم، فقد قال تعالى: ﴿فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ ﴾ [البقرة: 222]، وقال: ﴿ نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ﴾ [البقرة: 223].
ومعناها: مستقبلات أو مستدبرات ما دام في صمامٍ واحد، أي يجوز للزوج أن يأتي زوجته كيف شاء من الأمام والخلف ما دام في موضع الولد، ولا يخفى أن الدبر ليس موضعًا للولد.
وعن جابر رضي الله عنه  قال: كانت اليهود تقول: إذا أتى الرجل امرأتَه من دُبُرها في قُبُلِها كان الولد أحولَ، فنزلت: ﴿نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ﴾ [البقرة: 223](3).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ائْتِهَا مُقْبِلَةً وَمُدْبِرَةً إِذَا كَانَ ذَلِكَ فِي الْفَرْجِ»(4).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  قال: «مَنْ أَتَى امْرَأَتَهُ فِي دُبُرِهَا فَقَدْ بَرِئَ مِمَّا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ»(5).
وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم  من فعل هذا فقال: «مَلْعُونٌ مَنْ أَتَى امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا»(6).
وعن ابن عباس رضي الله عنه  قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لَا يَنْظُرُ الله إِلَى رَجُلٍ أَتَى امْرَأَةً فِي الدُّبُرِ»(7).
وعن خزيمة بن ثابت رضي الله عنه  قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إِنَّ الله لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْـحَقِّ- ثَلَاثَ مَرَّاتٍ- لَا تَأْتُوا النِّسَاءَ فِي أَدْبَارِهِنَّ»(8).
وقد أجمع على هذا المعنى الأئمةُ الأربعة؛ ولم يصحَّ عن أحد من السلف جوازه؛ وما روي عن بعضهم مما ظاهِره الجوازُ فمراده إتيانها من الدبر في الفرج.
وقد أشار ابن القيم : إلى مساوي إتيان المرأة في الدبر فقال:
«وأما الدبر فلم يُبح قط على لسان نبي من الأنبياء.
وإذا كان الله حرم الوطء في الفرج لأجل الأذى العارض، فما الظن بالحُشِّ الذي هو محل الأذى اللازم مع زيادة المفسدة بالتعرض لانقطاع النسل والذريعة القريبة جدًّا من أدبار النساء إلى أدبار الصبيان.
وأيضًا فللمرأة حقٌّ على الزوج في الوطء، ووطؤها في دبرها يفوِّت حقها ولا يقضي وطرها، ولا يُحصِّل مقصودها.
وأيضا فإن الدبر لم يتهيأ لهذا العمل، ولم يُخلق له، وإنما الذي هيئ له الفرج، فالعادلون عنه إلى الدبر خارجون عن حكمة الله وشرعه جميعًا.
وأيضًا فإن ذلك مُضِرٌّ بالرجل؛ ولهذا ينهى عنه عُقلاء الأطباء؛ لأن للفرج خاصية في اجتذاب الماء المحتقن وإراحة الرجل منه، والوطء في الدبر لا يُعين على اجتذاب جميع الماء ولا يخرج كل المحتقن لمخالفته للأمر الطبيعي.
وأيضًا يضر من وجه آخر، وهو إحواجه إلى حركات متعبة جدًّا لمخالفته للطبيعة.
وأيضًا فإنه محل القذر والنَّجْو، فيستقبله الرجل بوجهه ويلابسه.
وأيضًا فإنه يضر بالمرأة جدًّا؛ لأنه وارد غريب بعيد عن الطباع منافر لها غاية المنافرة.
وأيضًا فإنه يُفسد حال الفاعل والمفعول فسادًا لا يكاد يُرجى بعده صلاح، إلا أن يشاء الله بالتوبة.
وأيضًا فإنه من أكبر أسباب زوال النعم وحلول النقم، فإنه يوجب اللعنة والمقت من الله، وإعراضه عن فاعله، وعدم نظره إليه، فأي خير يرجوه بعد هذا، وأي شر يأمنه، وكيف تكون حياة عبد قد حلت عليه لعنة الله ومقته، وأعرض عنه بوجهه، ولم ينظر إليه.
وأيضًا فإنه يُذهب بالحياء جملة، والحياء هو حياة القلوب، فإذا فقدها القلب استحسن القبيح واستقبح الحسن، وحينئذ فقد استحكم فساده.
وأيضًا فإنه يُحيل الطباع عما ركَّبها الله، ويُخرج الإنسان عن طبعه إلى طبع لم يركب الله عليه شيئًا من الحيوان، بل هو طبع منكوس، وإذا نُكس الطبع انتكس القلب والعمل والهدى، فيستطيب حينئذ الخبيث من الأعمال والهيئات.
وأيضًا فإنه يورث من الوقاحة والجرأة ما لا يورثه سواه»(9). انتهى.
أما قول صاحبك: إن الأدلة الواردة في ذلك ضعيفة فذلك من التعالم الممقوت. ونسأل الله لنا وله العافية، والله تعالى أعلى وأعلم.

___________________

(1) البيت من بحر البسيط، وهو لحمدون بن الحاج السلمي. أديب فقيه مالكيٌّ، من أهل فاس، له كتب منها: «حاشية على تفسير أبي السعود»، و«تفسير سورة الفرقان»، و«منظومة في السيرة» على نهج البردة، في أربعة آلاف بيت، وشرحها في خمس مجلدات، وغير ذلك.

(2) أخرجه أحمد في «مسنده» (2/ 479) حديث (10209)، وأبو داود في كتاب «النكاح» باب «في جامع النكاح» حديث (2162)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، وذكره الألباني في «صحيح الجامع» (5889).

(3) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب «تفسير القرآن» باب «نساؤكم حرث لكم» حديث (4528)، ومسلم في كتاب «النكاح» باب «جواز جماعه امرأته في قُبُلها من قدامها» حديث (1435).

(4) أخرجه ابن أبي حاتم في «تفسيره» (2/404- 405) حديث (2133) من حديث جابر بن عبد الله ب، وذكره الألباني في «إرواء الغليل» حديث (2001) وقال: «إسناده صحيح على شرط الشيخين».

(5) أخرجه أبو داود في كتاب «الطب» باب «في الكاهن» حديث (3904)، وصححه الألباني في «مشكاة المصابيح» حديث (4599).

(6) أخرجه أحمد في «مسنده» (2/479) حديث (10209)، وأبو داود في كتاب «النكاح» باب «في جامع النكاح» حديث (2162)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، وذكره الألباني في «صحيح الجامع» حديث (5889).

(7) أخرجه الترمذي في كتاب «الرضاع» باب «كراهية إتيان النساء في أدبارهن» حديث (1166) وقال: «حسن غريب»، وصححه ابن دقيق العيد في «الإلمام» (2/660).

(8) أخرجه ابن ماجه في كتاب «النكاح» باب «النهي عن إتيان النساء في أدبارهن» حديث (1924)، وذكره الألباني في «السلسلة الصحيحة» حديث (3377).

(9) «زاد المعاد» (4/257- 263).

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   05 النكاح, 12 فتاوى المرأة المسلمة

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend