شبهات تكفير في كتاب «مختصر سيرة الرسول» لابن عبد الوهاب

ما تقولون في هذه الفقرات من كتاب «مختصر سيرة الرسول» للشيخ محمد بن عبد الوهاب. أليست هذه دليلًا قاطعًا على تكفير الحكام ومن دار في فلكهم من العلمانيين؟ أو أنها دليل على غلو الوهابية في باب التكفير؟ ولابد لكم من أحد الأمرين؛ أفتونا مأجورين؟
الفقرة الأولى:
((قال الله تعالى: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُم} [التوبة: 5].
وفي الصحيحين: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة. فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله تعالى». فهذا كتاب الله الصريح للعاميِّ البليد، وهذا كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا إجماع العلماء الذين ذكرت لك، والذي يعرفك هذا جيدًا هو معرفة ضده؛ وهو أن العلماء في زماننا يقولون من قال: «لا إله إلا الله» فهو المسلم حرام المال والدم لا يُكفر ولا يُقاتل، حتى إنهم يصرحون بذلك في شأن البدو الذين يُكذِّبون بالبعث وينكرون الشرائع، ويزعمون أن شَرعهم الباطل هو حقُّ الله، ولو طلب أحدٌ منهم خصمَه أن يخاصمه عند شرع الله لعَدُّوه من أنكر المنكرات، بل من حيث الجملة إنهم يكفرون بالقرآن من أوله إلى آخره. ويكفرون بدين الرسول كلِّه مع إقرارهم بذلك بألسنتهم وإقرارهم أن شرعهم أحدثه آباؤهم لهم كفرًا بشرع الله.
وعلماء الوقت يعترفون بهذا كله، ويقولون: ما فيهم من الإسلام شعرةٌ. وهذا القول تلقته العامةُ عن علمائهم وأنكروا به ما بيَّنه الله ورسوله، بل كفروا من صدق الله ورسوله في هذه المسألة وقالوا: من كفر مسلمًا فقد كفر. والمسلم عندهم الذي ليس معه من الإسلام شعرةٌ إلا أنه يقول بلسانه: «لا إله إلا الله» وهو أبعد الناس عن فهمها وتحقيق مطلوبها علمًا وعقيدةً وعملًا.
فاعلم- رحمك الله- أن هذه المسألة أهمُّ الأشياء كلها عليك؛ لأنها هي الكفر والإسلام، فإن صدَّقتهم فقد كفرت بما أنزل على رسوله صلى الله عليه وسلم كما ذكرنا لك من القرآن الكريم والسنة والإجماع، وإن صدقت الله ورسوله عادوك وكفروك.
وهذا الكفر الصريح بالقرآن والرسول في هذه المسألة قد اشتهر في الأرض مشرقها ومغربها، ولم يسلم منه إلا أقل القليل.
فإن رجوت الجنَّة وخفت من النار فاطلب هذه المسألة وادرسها من الكتب والسنة وحررها، ولا تقصر في طلبها، لأجل شدة الحاجة إليها، ولأنها الإسلام والكفر.
ونزيد المسألة إيضاحًا ودلائل لشدة الحاجة إليها، فنقول ليفطن العاقل لقصةٍ واحدةٍ منها، وهي أن بني حنيفة أشهر أهل الردة، وهم الذين يعرفهم العامة من أهل الردة، وهم عند الناس أقبحُ أهل الردة، وأعظمهم كفرًا، وهم- مع هذا- يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، ويؤذِّنُون ويصلون، وهذا فإن أكثرهم يظنون أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم أمرَهم بذلك لأجل الشهود الذين شهدوا مع الرجال.
والذي يعرف هذا- ولا يشك فيه- يقول: من قال: «لا إله إلا الله» فهو المسلم، ولو لم يكن معه من الإسلام شعرةٌ، بل قد تركه واستهزأ به متعمدًا.
فسبحان الله مقلب القلوب كيف يشاء كيف يجتمع في قلب من له عقلٌ- ولو كان من أجهل الناس- أنه يعرف أن بني حنيفة كفروا، مع أن حالهم ما ذكرنا، وأن البدو أسلموا ولو تركوا الإسلامَ كله وأنكروه واستهزءوا به على عمدٍ؛ لأنهم يقولون: «لا إله إلا الله». لكن أشهد أن الله على كل شيءٍ قديرٌ، نسأله أن يثبت قلوبنا على دينه ولا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا، وأن يهب لنا منه رحمةً، إنه هو الوهاب)).
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فقبل الدخول في مناقشات تفصيلية لهذه الفقرات نُبادر إلى التأكيد على أمرين:
• الأول: وهو أن كل الناس يُؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن أقوال أهل العلم يُحتج لها ولا يحتج بها وحدها بمعزل عن الأدلة، وعن فهم السلف الصالح لهذه الأدلة.
• الثاني: الانتباه إلى بساط الحال الذي وردت فيه هذه الكلمات، فلم يكن المقام مقامَ تحرير مناطات، وإجراءَ أحكام، وإنما كان المقام مقامَ استفاضةِ بلاغ واستجاشة عواطف للتعريف بحقائق التوحيد والإيمان، والردِّ على شبهات خصومها، وبيان غفلة كثير من الناس عنها، فيُرجى التنبه إلى التفريق بين هذين المقامين:
مقام الدعوة والإرشاد: وفيه تُطلق النصوص كما أطلقها رسول الله ﷺ، ولا يتأول لها بما يُضعف أثرَها المقصودَ بها، حتى تؤدي دورَها في الزجر عن المنكرات، وتعظيمِ خطرها، وتحذير الناس كافة من التلَبُّسِ بها.
مقام التعليم المنهجي، وإجراء الأحكام: وفيه يجب أن يُجمع بين النصوص الشرعية، وأن يبَيَّن مذهبُ أهلِ الحق في التعاملِ مع أصحاب البدع والمعاصي، وضوابطِ إجراء الأحكام عليهم؛ منعًا للتهارج والتقاذف بأحكام الكفر بغير ضابط، مع ما قد يترتب على ذلك من استباحة الدماء والأموال والأعراض بغير سلطان من الله.
وكم أدى الخلطُ بين هذين المقامين إلى كثيرٍ من اللبس والاضطراب، في إجراء الأحكام في واقعنا المعاصر.
فرأينا فريقًا من الناس ينطلقون إلى عبارات وردَت في مقام استجاشة العواطف، واستنفارِ الهمم، وإيقادِ جَذْوَة الإيمان، وتحريضِ الناس على الجهاد، فيستخدمونها في إجراءِ الحكم على المخالف، بطريقة لعلَّها لم تطُفْ بخيال صاحبها قطُّ، وما أشبه موقفهم هذا بموقف من بلغه أن عليًّا رضي الله عنه كان يخطب في الكوفة ويستنفر أهلَها بقوله: يا أشباه الرجال ولا رجال. فيقول: إن شبه الرجل هو الخنثى المشكل, ثم يستقرئ كل أحكام الخنثى المشكل في كتب الفقه، ويجريها على أهل الكوفة.
وبالمقابل رأينا فريقًا آخرَ يردُّون على هذا الفريق بإبراز عوارض الأهلية؛ من الجهل والإكراه والتأويل، وما قام منها لدى بعض خصوم الشريعة، في محاولة منهم لكبحِ جماحِ الفريق الأول، فيستغرقون في ذلك ويُوغلون، ويكونون في مقام الـمُجادل عن المبطلين والمدافع عن المضلين، أو هكذا تبدُو صورتهم، وقد يشنع عليهم بذلك وهم به كافرون.
ولا تُضبط هذه المسألة إلا بالتفريق بين المقامين؛ مقام الدعوة والإرشاد من ناحية، ومقام التعليم وإجراء الأحكام من ناحية أخرى، وإشاعة العلم بأصول أهل السنة والجماعة الضابطة لمسائل الأسماء والأحكام؛ حتى يكون الناس منها على بصيرة، وحتى يَرُدُّوا إليها ويحاكموا في ضوئها جموحَ الأقلام، وما ورد في مقام إيقاظ الهمم من المبالغات والمجازات.
وبعد هذه المقدمة نقول:
إنَّ ما ذكره الشيخ رحمه الله كان عن فريق من الناس خالطهم، وعرف أحوالهم عن كثبٍ، وهم البدوُ وأشباهُهم، فإن كانوا كما قال فهو محقٌّ في كل ما قال.
فقد كان يتحدث عن فريق من البدو الذين يكذبون- كما ذكر- بالبعث، وينكرون الشرائع، ويزعمون أن شرعهم الباطل هو حقُّ الله، ولو طلب أحدٌ منهم خصمَه أن يخاصمه عند شرع الله لعدوه من أنكر المنكرات، بل من حيث الجملة إنهم- كما ذكر- يكفُرون بالقرآن من أوله إلى آخره، ويكفرون بدين الرسول كلِّه، مع إقرارهم بذلك بألسنتهم وإقرارهم أن شرعَهم أحدثه آباؤهم لهم كفرًا بشرع الله.
ومن كانت هذه صفته فلا شكَّ أنه قد خرج من الإسلام، لا يختلف في ذلك مسلمٌ غيرُ مغلوب على عقله، ولكن لا يصلحُ تعميمُ هذا القول على العوامِّ والجهلاء في هذه الأمة ممن تلبسوا ببعض طوارق الشِّرك غفلةً، أو جهالة وسوء تأويل، وتحت تأثير آلة إعلام جبارة تُلَبِّس على الناس دينهم، وتزيِّن لهم سوءَ عملهم فيرونه حسنًا، فلا يزال العوامُّ في الجملة على أصل إيمانهم بالله ورسوله، وعلى أصل إقرارهم بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم في الجملة، وعلى إقرارهم في الجملة بالتوحيد والرسالة، وبراءتهم في الجملة مما يُضادها وينافيها من الكفر والشرك، مع تلبُّس بعضهم بشوب من طوارق البدع والمعاصي والشركيَّات.
فما يتحدث عنه الشيخ إنما حالة خاصة، خالط الشيخُ أهلَها عن كثبٍ، وعرف أحوالهم عن قُرب، فهم كما ذكر: «يكفرون بالقرآن من أوله إلى آخره، ويكفرون بدين الرسول كله».
وما يبدو في كلامه من تعميمٍ لابد من تأويله، بأنه من العامِّ الذي قُصد به الخاص، كما قال تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ} [آل عمران: 173]. فإن كلمة الناس في كلا الموضعين لا تستوعب جميعَ الناس لا عقلًا ولا شرعًا!
ومثل هذا يُقال عما نَسبه إلى أهل العلم الذين يقطعون بإسلام هؤلاء رغم تلبُّسهم بكل هذه النواقض، فلا يصح تعميمُه كذلك، فلا شكَّ أن حديثه عن فئة مخصوصة من غُلاة المرجئة والجهمية الذين يَرون من يكذبون بالبعث وينكرون الشرائع، ويكفرون بالقرآن كله من أوله إلى آخره، ثم يقولون: إن هؤلاء لا يزالون على الإسلام!
وإن بدا في كلام الشيخ نوعٌ من التعميم أو التغليب، فإنه يجب تأويله بما عُرف من عقيدة الشيخ وبما صرَّح به في مواضع أخرى من كتبه رحمه الله، من تحوُّط في باب التكفير، وعدم التكفير بالظنَّة، أو بمجرد الموالاة، أو بعدم الهجرة إليه، ونحوه، فإن وجهَ الأرض لا يخلو من قائمٍ لله بحجَّةٍ، ولا يزال يَحمل هذا الدين في كل جيل عدولٌ ينفون عنه تحريفَ الغالين، وانتحالَ المبطلين، وتأويل الجاهلين.
وأما كُفر بني حنيفة فقد كان حول إنكار عقيدة ختم النبوة بمحمد صلى الله عليه وسلم، والإيمان بنبوة دَعِيٍّ كذاب من بعده. وهو أمر لا ينبغي أن يختلف فيه ولا أن يُختلف عليه، وما قوتل هؤلاء إلا بعد استفاضة بلاغٍ، وإقامة حجَّةٍ عرف بها القاصي والداني، وأدرك بها الجميعُ فيم يختصمون، وفيم يقتتلون؟!
فلا يقاس على ذلك ما يراد به في السؤال من استباحة تكفير العوام بالجملة، واستباحة قتالهم بالجملة في مناطات محتملة، ومسائل دقيقة ملتبسة.
ومن ناحية ثالثة فما ذكره الشيخ كان في مقام الإطلاق، وتوصيف الأعمال والأقوال والاعتقادات الكفرية تحذيرًا للناس منها وتنبيها لهم على خطرها، فإذا انتقلنا إلى مقام التعيين فإن له ضوابطَ أخرى وحديثًا آخرَ، فلا بد من تحقُّق شروط التكفير وانتفاء موانعه، لابد من إقامة الحجَّة والتحقُّق من انتفاء عوارض الخطأ والجهالة والإكراه وسوء التأويل.
وهذه باقة من مقولات الشيخ في مقام تحرير مناطات الأحكام يردُّ إليها كلَّ متشابهٍ من قوله فيما وراء ذلك.
• فقد جاء في كتاب «الدرر السنية في الأجوبة النجدية» (1/ 104) قوله:
((وأما الكذب والبهتان، فمثل قولهم: إنا نكفِّر بالعموم، ونُوجب الهجرة إلينا على من قدر على إظهار دينه، وإنا نُكفِّر من لم يكفِّر، ومن لم يقاتل. ومثل هذا وأضعاف أضعافه، فكل هذا من الكذب والبهتان، الذي يصدون به الناس عن دين الله ورسوله. وإذا كنا لا نكفِّر مَن عبَد الصنم الذي على عبد القادر، والصنم الذي على قبر أحمد البدوي، وأمثالهما؛ لأجل جهلهم، وعدم من ينبِّههم، فكيف نكَفِّر من لم يشرك بالله إذا لم يهاجر إلينا، أو لم يكفِّر ويقاتل؟! {سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ (16)} [النور: 16])). اهـ.
• وجاء في «مجموعة الرسائل والمسائل النجدية» (1/79) قول الشيخ رحمه الله:
((سؤال الميت، والاستغاثة به، وبينَّا الفرق بينه، وبين التوسل به في الدعاء، وأن سؤال الميت والاستغاثة به في قضاء الحاجات وتفريج الكربات من الشرك الأكبر الذي حرمه الله تعالى ورسوله، واتفقت الكتب الإلهية، والدعوات النبوية على تحريمه وتكفير فاعله والبراءة منه ومعاداته؛ ولكن في أزمنة الفترات وغلبة الجهل لا يكفر الشخص المعين بذلك حتى تقوم عليه الحجَّة بالرسالة، ويبيَّن له ويعرَّفَ أن هذا هو الشرك الأكبر الذي حرمه الله ورسوله. فإذا بلغته الحُجَّة، وتُليت عليه الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية، ثم أصرَّ على شركه فهو كافر؛ بخلاف من فعل ذلك جهالةً منه ولم ينبَّه على ذلك. فالجاهل فعلُه كفرٌ، ولكن لا يحكم بكُفرِه إلا بعد بلوغ الحجة إليه؛ فإذا قامت عليه الحجة ثم أصرَّ على شركه فقد كفر، ولو كان يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، ويصلِّي، ويزكي، ويؤمن بالأصول الستة)). اهـ.
وحول التوسل إلى الله بالأنبياء والصالحين يقول رحمه الله في معرض ذكر أنواع التوسل كما في «الدرر السنية في الأجوبة النجدية» (2/ 84):
((النوع الثالث: أن يقول: اللهم إني أتوسل إليك بنبيك، أو بالأنبياء، أو الصالحين; فهذا ليس شركًا، ولا نهينا الناس عنه، ولكن المذكور عن أبي حنيفة، وأبي يوسف، وغيرهم أنهم كرهوه، لكن ليس مما نختلف نحن، وغيرنا فيه)). اهـ.
وفي مجموعة مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب- القسم الثالث- الفتاوى: 68 قوله:
((فكون بعض العلماء يرخِّص بالتوسل بالصالحين، وبعضهم يخصه بالنبي صلى الله عليه وسلم، وأكثر العلماء ينهى عن ذلك ويكرهه, فهذه المسألة من مسائل الفقه، ولو كان الصواب عندنا قول الجمهور: أنه مكروه. فلا نُنكر على من فعله، ولا إنكار في مسائل الاجتهاد. والله تعالى أعلى وأعلم.
الفقرة الثانية:
((الدليل الثاني قصةٌ أخرى وقعت في زمن الخلفاء الراشدين؛ وهي أنَّ بقايا من بني حنيفة لما رجعوا إلى الإسلام وتبرءوا من مسيلِمة وأقروا بكذبه كبُرَ ذنبهم عند أنفسهم وتحمَّلوا بأهليهم إلى الثغر لأجل الجهاد في سبيل الله؛ لعل ذلك يمحو عنهم آثار تلك الردَّة؛ لأن الله تعالى يقول: {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70)} [الفرقان: 70]. ويقول: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى (82)} [طه: 82].
فنزلوا الكوفة وصار لهم بها محلةٌ معروفةٌ فيها مسجدٌ يسمى مسجد بني حنيفة، فمرَّ بعض المسلمين على مسجدهم بين المغرب والعشاء، فسمعوا منهم كلامًا معناه أن مسيلمة كان على حق وهم جماعةٌ كثيرون لكن الذي لم يقله لم ينكره على من قاله. فرفعوا أمرهم إلى عبد الله بن مسعودٍ، فجمع من عنده من الصحابة واستشارهم هل يقتلهم وإن تابوا، أو يستتيبهم؟ فأشار بعضهم بقتلهم من غير استتابةٍ. وأشار بعضهم باستتابتهم. فاستتاب بعضهم وقتل بعضهم ولم يستتبه.
فتأمل- رحمك الله- إذا كانوا قد أظهروا من الأعمال الصالحة الشاقَّة ما أظهروا، لـما تبرءوا من الكفر وعادوا إلى الإسلام ولم يظهر منهم إلا كلمةٌ أخفوها في مدح مسيلمة لكن سمعها بعض المسلمين. ومع هذا لم يتوقف أحدٌ في كفرهم كلهم- المتكلم والحاضر الذي لم ينكر- ولكن اختلفوا: هل تقبل توبتهم أو لا؟ والقصة في «صحيح البخاري». فأين هذا من كلام من يزعم أنه من العلماء ويقول البدو ما معهم من الإسلام شعرةٌ إلا أنهم يقولون: «لا إله إلا الله». ومع ذلك يحكم بإسلامهم بذلك؟ أين هذا مما أجمع عليه الصحابة فيمن قال تلك الكلمة أو حضرها ولم ينكر؟
سارت مشرقةً وسرت مغربًا … شتان بين مشرقٍ ومغربٍ)). اهـ.

تاريخ النشر : 26 سبتمبر, 2023

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend