حول الأحداث الراهنة في غزة

حول الأحداث الراهنة في غزة

ســــؤال:

حول الأحداث الراهنة في غزة وهي تحت القصف منذ قرابة أسبوعين!! هناك من ينتقد البدايات،

ويشيع بذلك فيمن حوله التثبيط والتخاذل عن النصرة، فكيف ترون هذا المشهد؟

وما كلمتكم فيه للمسلمين عامة؟ وللمثبطين والمرجفين خاصة؟

الجواب:

بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحِيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فإن أهل غزة هم جزء من المشهد الفلسطيني العام، وإن كان من أكثر أجزائه ولاء للحق، وغيرة عليه وانتصارًا له،

وعطاء غير محدود في سبيله!

ومأساته قيام مجموعة من اليهود الصهاينة من أوروبا بالاستيلاء بالقوة على أرض،

كان يسكنها أناس أقاموا بها منذ أمد بعيد يمتد إلى ما قبل ولادة إبراهيم (عليه السلام).

وأعقب ذلك 75 عامًا من القمع الممنهج ضد الفلسطينيين ومن صوره: التوسع الاستيطاني المستمر،

والقتل المتكرر للمدنيين، وممارسات العقاب الجماعي، والإخلاء القسري من المنازل، والاستيلاء على الممتلكات، وضم الأراضي.

فبعيدًا عن التصعيدات الأخيرة، يجب ألا ينسى المرء أبدًا أن القضية الجذرية والمحورية من قبل ومن بعد هي الاحتلال غير القانوني الذي يجرد الشعب من حريته ويعرضه للمصاعب والفجائع المتواصلة الجسيمة.

فحديثنا اليوم إذن عن الظلم وعن كونه ظلمات يوم القيامة، والظلم وضع الأشياء في غير مواضعها، وهو أنواعٌ،

أعظَمُها الشِّركُ باللهِ تعالَى؛ قال اللهُ سُبحانَه: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13].

ومِنها: ظُلمُ العَبدِ لِنَفسِه بفِعلِ المعاصي والآثامِ، ومنها: ظُلمُ العَبدِ لِغَيرِه بالتعَدِّي على مالِه أو دَمِه أو عِرْضِه.

ومن أفدح أنواع الظلم وأبشعها الإخراج من الديار حتى عدهُ القرآن مماثلاً لقتلِ النفس فقال تعالى:

﴿وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ ‌أَنِ ‌اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ

لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا ﴾ [النساء: 66] .

وقد أخذ الله الميثاق على بني إسرائيل ألا يسفكوا دماءهم وألا يخرجوا أنفسهم من ديارهم

﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ ‌لَا ‌تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ *

ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ

وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ

فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾

[البقرة: 84-85].

عظم جريمة اغتصاب الأرض والعرض!

إن اغتصاب الأرض، وانتهاك حرمات أهلها دماء وأموالا وأعراضا عدوان تدينه الأرض والسماء!

لا سيما إذا امتد إلى المدنيين العزل من النساء والأطفال والشيوخ والعجائز، وشمل تدمير البنية التحتية وكل مقومات الحياة الاساسية،

وهو من أبشع صور الإرهاب الذي ينبغي أن يتداعى العالم لمقاومته والتصدي له،

فإن إرهاب ما يسمى دولا أو كيانات غاصبة وأمثالها هو أنكى وأبشع، بل ولا ينبغي أن يقارن من حيث المبدأ مع ردود أفعال الضحايا والمقهورين، ولاسيما مع هذا الاختلال الرهيب في موازين القوى!

‏لقد وكز موسى رجلاً فقتله خطأ، وقتل فرعون الآلاف عمداً، ثم يقول.. فرعون لموسى

﴿‌وَفَعَلْتَ ‌فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾ [الشعراء: 19].

إنه الاستغفال وقلب الحقائق!

هكذا إعلام المجرمين، وحقا! ﴿‌وَلَا ‌يسْأَلُ عَنْ ذنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ﴾ [القصص: 78].

ويا للعجب ممن يخذلون المظلوم وهم قادرون على نصرته! فإذا انتصر لنفسه لاموه أن ينتصر وهو ضعيف،

جمعوا مع إثم الخذلان فتنة التثبيط!

‏وفي كُلِّ حربٍ يخوضها أهل الحق، نكتشفُ أنَّ في بلادنا وبين أظهرنا صهاينة أكثر مما في عاصمة المستعمر!

وكذلك نكتشفُ أنَّ فيها شُرفاء وأحراراً أكثر مما في ساحة الجهاد!

وعودة للحديث عن الظلم!

عَنْ أَبي ذرٍّ الغِفَارْي -رضي الله عنه- عَن النبي -صلى الله عليه وسلم- فيمَا يَرْويه عَنْ رَبِهِ -عزَّ وجل- أَنَّهُ قَالَ:

“يَا عِبَادِيْ إِنِّيْ حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِيْ وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ محَرَّمَاً فَلا تَظَالَمُوْا”[1].

وهو حديث عظيم جليل شريف القدر، دال على عظمة ربنا جل جلاله، وكان أبو إدريس الخولاني من كبار السلف -رحمه الله- إذا حدث بهذا الحديث جثا على ركبتيه.

فخاطَبَ عِبادَه مِن الثَّقلينِ الإنسِ والجِنِّ جميعًا، وأعلمهم أنه حرم الظلم على نفسه،

وجعله محرما فيما بين عباده ونهاهم جميعا عنه.

“إِنِّي حَرَّمتُ الظُّلمَ عَلَى نَفسِي”

وأكد هذا المعنى في آيات كثيرة من كتابه العزيز، ومنها: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ} [فصلت: 46]،

{إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا} [يونس: 44]، {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [الكهف: 49]،  {إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} [النساء: 40]،

{وَمَا اللَّهُ يرِيدُ ظلْمًا لِّلْعِبَادِ}  [غافر: 31]،  {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ}  [فصلت: 46]، {وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ} [ق: 29].

وبين في كتابه مصارع الظلمة عبر القرون! فقال جل من قائل:

﴿وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ﴾ [يونس: 13].

﴿وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا ﴾ [الكهف: 59].

﴿ وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لَا يَنْطِقُونَ ﴾ [النمل: 85].

﴿ وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ ﴾ [الشورى: 41].

ومن لطيف ما يروى في السنة المطهرة عن جابر بن عبد الله قال: لمَّا رجعَتْ إلى النبيِّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- مُهاجِرَةُ البَحْرِ قال: ألا تُحَدِّثُونَ بِأَعَاجِيبَ ما رأيتُمْ بِأرضِ الحبشةِ؟ فقال فِتَّيَةٌ مِنْهُمْ : بلى يا رسولَ اللهِ ،

بَيْنا نحنُ جلوسٌ إِذْ مَرَّتْ عَلَيْنا عَجُوزٌ من عَجَائِزِ رَهابينِهِمْ ، تَحْمِلُ على رأسِهِا قُلَّةً من ماءٍ فمرَّتْ بِفَتًى مِنْهُمْ فَجعلَ إِحْدَى يديْهِ بين كَفَّيْها ثُمَّ دَفَعَها فَخَرَّتْ على رُكْبَتَيْها فَانْكَسَرَتْ قُلْتُها ، فَلَما ارْتَفَعَتِ التَفَتَتْ إليهِ فقالتْ :

سَوْفَ تعلمُ يا غُدَرُ إذا وضعَ اللهُ الكُرْسِيَّ وجَمَعَ الأولِينَ والآخِرِينَ وتَكَلَّمَتِ الأَيْدِي والأَرْجُلُ بِما كَانُوا يَكُسِبُونَ ،

فَسَوْفَ تعلمُ كَيْفَ أَمْرِي وأَمْرُكَ عندَهُ غدًا ؟ قال : يقولُ رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- : صَدَقَتْ صدقَتْ،

كَيْفَ يُقَدِّسُ اللهُ قَوْمًا لا يُؤْخَذُ لِضَعِيفِهِمْ من شَدِيدِهمْ؟[2]

 

ليـــس لعــرقٍ ظــالــمٍ حــــق!

ومن معالم الهدي النبوي أنه ليس لعرقٍ ظالمٍ حق، وهذا نص حديث نبوي، ومعناه، إن الظلم لا يكسب الظالم حقاً،

وأن طول أمد العدوان لا يكسبه شرعية أبدًا، ولو بقي مئات السنين!

ولو ظاهر أصحابه وتداعت لنصرته كل قوى البغي في العالم، فيظل الحق حقًا، والباطل باطلًا، ما بقيت الأرض والسماء،

وما بقي الليل والنهار!

فلو جاء أحد إلى أرض مملوكة لغيره فغرس فيها غرساً غصباً، أو بنى فيها بناءً، او أحدث فيها شيئاً قهرًا تعديًا،

ليستوجب به ملكية الأرض، فقد صار بهذا الفعل ظالماً غاصباً!

وأن عليه أن يقلع ما غرس، أو يهدم ما بنى، إلا إذا رضي صاحب الأرض ببقاء الغرس أو البناء، واتفقا على تسوية عادلة.

ولقد كانت ديار المسلمين في كثير من الأحيان ملجأ لليهود ولغيرهم. ويوم أن يعود الحق إلى أهله،

وتنتهي هذه الاستباحة الظالمة المجرمة لحقوق الأبرياء، فإن في فلسطين متسعا لكل مسالم ومعاهد لأهل الإسلام،

من اليهود أو من غيرهم، كما استوعبهم المجتمع النبوي في إطار صحيفة المدينة حتى بدلوا فبدل الله بهم وثيقة تاريخية.

ونسوق في هذا المقام وثيقة تاريخية تبين كيف كان يعامل غير المسلمين في الدول الإسلامية ولو كان من اليهود،

وتتمثل هذه الوثيقة في نص الفرمان «الظهير» الذي أصدره السلطان محمد بن عبد الله سلطان المغرب في 5 فبراير 1864م وهذا نصها:

“بسم الله الرحمن الرحيم. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم.

نأمر من يقف على كتابنا هذا من سائر خدامنا وعمالنا القائمين بوظائف أعمالنا أن يعاملوا اليهود الذين بسائر إيالتنا بما أوجبه الله تعالى من نصب ميزان الحق والتسوية بينهم وبين غيرهم في الأحكام، حتى لا يلحق أحدا منهم مثقال ذرة من الظلم ولا يضام،

ولا ينالهم مكروه ولا اهتضام، وألا يعتدوا هم ولا غيرهم على أحد منهم لا في أنفسهم ولا في أموالهم،

وألا يستعملوا أهل الحرف منهم إلا عن طيب أنفسهم وعلى شرط توفيتهم بما يستحقونه على عملهم،

لأن الظلم ظلمات يوم القيامة، ونحن لا نوافق عليه، لا في حقهم ولا في حق غيرهم، ولا نرضاه،

لأن الناس كلهم عندنا في الحق سواء.

ومن ظلم أحدا منهم أو تعدى عليه فإنا نعاقبه بحول الله، وهذا الأمر الذي قررناه وأوضحناه وبيناه كان مقررًا، ومعروفًا محررًا،

لكن زدنا هذا المسطور تقريرًا وتأكيدًا ووعيدًا في حق من يريد ظلمهم، وتشديدًا ليزيد اليهود أمنا إلى أمنهم،

ومن يريد التعدي عليهم خوفًا إلى خوفهم. صدر به أمرنا المعتز بالله في السادس والعشرين من شعبان المبارك عام 1280 هـ ثمانين ومائتين وألف”.

دعم القضية الفلسطينية لا يتطلب الاتفاق الشامل على كل تحرك المقاومة أو خططها!!

فهذه اجتهادات بشرية منها ما يكون خطأ، ومنها ما يكون صوابًا، ومنها ما يقبل ومنها ما يرد،

ولم يزل للحروب دائمًا أهوالها ومفاجآتها، والتاريخ شاهد على ذلك.

حول الإرجاف والتثبيط

وإن الاستعلان بانتقاد أهل الجهاد أثناء قيامه، وتقابل صفوفهم مع صفوف خصومهم، بما يفضي إلى التخذيل والإرجاف والنزاع،

في الوقت الذي يشن فيه أعداء الله عليهم حرب إبادة جماعية كارثية! إنما هو عمل المنافقين،

وسعي المرجفين والذين في قلوبهم مرض! وإذا كان هناك ما يقتضي المناصحة، فللنصيحة منصاتها وسياقاتها، ولكل مقام مقال!

وإذا كانت الحدود لا تقام في أرض العدو، درءا للفتن؛ فإن الاستعلان النقد الذي يفضي إلى لتخذيل والإرجاف والنزاع أولى بالمنع،

لا سيما ممن لا يدرون بواطن الأمور! فينبغي أن يسلم لأهل الثغور حالهم، حتى يتبين لنا بيقين من ذلك ما يقتضي المناصحة،

فحينئذ ينبغي أن تبذل النصيحة لأهلها، وعلى وجهها، ولا يقدح هذا في أصل الولاء العام لقضية،

واجتماع الأمة كلها حول نصرتها، ولا يعني هذا أن ندعي عصمة المجاهدين، فلم يزل الجهاد منذ عصر الأموي وإلى اليوم وفيه ما ينتقد، سواء في قيادته أو قاعدته! بل كثير من الغزو الحاصل بعد الخلفاء الراشدين لم يقع إلا وقد شابه شيء من الدخن.

وفي هذا السياق، من المهم أن نلاحظ التحيز السائد في وسائل الإعلام الغربية.

لقد عرضت قناة إسرائيلية محلية مشهد امرأة إسرائيلية تروي كيف طمأنها المقاتلون الفلسطينيون الذين دخلوا منزلها بقولهم:

“نحن مسلمون؛ لن نؤذيك”. ومع هذا تعامى العالم المتحضر عن هذا المشهد وتجاهله!َ

كيف تُقدَّسُ أمةٌ لا يؤخذُ لضعيفِهم من شديدِهم؟!

قضية فلسطين والأقصى قضية الأمة كلها

إن فلسطين ليست مجرد بقعة من الأرض اغتصبت من أهلها، ولست قضية قومية عربية أو غير عربية فحسب،

إنها قضية أمة الإسلام كلها من أقصاها إلى أقصاها.

فالمسجد الأقصى مسرى نبينا ﷺ، وقدسيته إنما هي عند المسلمين كافة في مشارق الأرض ومغاربها،

ليس فقط لأهل فلسطين وحدهم، لقد كانت رحلة الإسراء من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى،

وكانت رحلة المعراج من المسجد الأقصى إلى السماء، وفيه صلى النبي -صلى الله عليه وسلم- إماماً بالأنبياء،

وإن الأقصى من المساجد التي تشد إليها الرحال. كما صح بذلك الخبر عن رسول -صلى الله عليه وسلم-،

وإن الصلاة فيه تضاعف بلا نزاع، وقد تفاوتت الروايات في هذه المضاعفة:

ما بين:( ألف، وخمسمائة، ومائتين وخمسين،) والمحكم هو المضاعفة[3]!

فلسطين هي مدينة الأنبياء!!

فخليل الرحمن إبراهيم عليه السلام هاجر لفلسطين. ولوط عليه السلام نجاه الله من العذاب الذي نزل على قومه إلى الأرض المباركة وهي أرض فلسطين. كما قال تعالى: ﴿‌وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: 71].

وعلى أرضها كانت معجزة ميلاد المسيح، وهي فتاة صغيرة بكر من غير زوج،

وعلى أرضها هزت أمه مريم عليها السلام إليها بجذع النخلة بعد ولادتها فتساقط عليها رطبا جنيا،

ومنها رفع المسيح عليها السلام عندما هم أعداؤه بقتله ﴿إِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى إِنِّي ‌متَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾ [آل عمران: 55].

وعلى أرضها، ومن علامات آخر الزمان فيها، أن يقتل مسيح الهدى عيسى -عليه السلام- مسيح الضلالة الدجال عند باب اللد بفلسطين[4].

وهي أرض المحشر والمنشر عن أبي ذر -رضي الله عنه-: أَنه سأَلَ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- عن الصلاةِ في بيتِ المقدسِ أفضلُ، أو في مسجدِ رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم-؟ فقال: صلاةٌ في مسجدي هذا، أفضلُ من أربعِ صلواتٍ فيه،

ولنعمَ المصلى، هو أَرضُ المحشرِ، والمنشر، وليأتين على الناسِ زمانٌ، ولقَيْدُ سَوطِ أو قال:

قوسِ الرَّجلِ حَيثُ يرى مِنهُ بيتَ المقدسِ؛ خيرٌ لهُ أو أحبَّ إليه مِنَ الدُّنيا جميعًا”[5].

أي: مِقدارُ مَكانٍ مِثلَ السَّوطِ، وهو آلةُ الضَّربِ التي تتَّخَذُ مِنَ الجِلدِ، “أو قالَ: قَوسِ الرَّجُلِ” وهو آلةُ رَمْيِ السِّهامِ في الحَربِ.

تهجير المقاومة، ومحاولة إخلاء غزة جريمة شرعية! وخيانة للأمة وللملة!

وإننا لنؤكد أن كل تهجير وإخراج اليوم للفلسطينيين من أرضهم في غزة أو غيرها، ولو بشكل جزئي، أو مؤقت بزعمهم، فهو خيانة وخديعة ومؤامرة خسيسة، يتواطأ عليها كل مشارك فيها بماله أو بأرضه!

واجــــب الــوقـــت

وإن واجب الوقت الآن التداعي الفوري إلى الوقف الفوري للعدوان من خلال الوسائل السلمية،

والآليات الديمقراطية المتاحة في هذا البلد.

وبذل أقصى ما يمكن بذله من الغوث المالي والإعلامي والسياسي وكل أنواع الدعم الممكنة والمتاحة والمشروعة.

‏ولنتذكر دائمًا ما رواه البخاري في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنهما أنَّ رَسولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- قالَ:

“المُسْلِمُ أخُو المُسْلِمِ لا يَظْلِمُهُ ولَا يسْلِمُهُ، ومَن كانَ في حَاجَةِ أخِيهِ كانَ اللَّهُ في حَاجَتِهِ، ومَن فَرَّجَ عن مسْلِمٍ كرْبَةً،

فَرَّجَ اللَّهُ عنْه كرْبَةً مِن كرُبَاتِ يَومِ القِيَامَةِ، ومَن سَتَرَ مسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَومَ القِيَامَةِ”[6].

وقوله-صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: «ما من امرئ يخذل امرأ مسلمًا في موضع تنتهك فيه حرمته وينتقص فيه من عرضه،

إلا خذله الله في موطن يحب فيه نصرته، وما من امرئ ينصر مسلما في موضع ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته،

إلا نصره الله في موطن يحب نصرته”[7].

وقبل ذلك كله ومع ذلك كله: الضراعة إلى الله في الأسحار وفي الخلوات أن يرفع البلاء عن أهلها، وأن يمدهم بمدد من عنده،

وينبغي له أن يتحين بالدعاء أوقات الإجابة الستة، وهي كما قال ابن القيم في كتابه “الجواب الكافي” ودلت عليها النصوص الصحيحة.

الثلث الأخير من الليل، وعند الأذان، وبين الأذان والإقامة، وأدبار الصلوات المكتوبات،

وعند صعود الإمام يوم الجمعة على المنبر حتى تقضى الصلاة من ذلك اليوم، وآخر ساعة بعد العصر”.

إنه لا ينبغي على المسلم في خضم هذه الشدائد أن تشغله متابعة الأخبار والأحداث عن الدعاء لإخوانه،

فقد ينصر الله إخوانه بسبب دعائه لهم وقد عجز عن أن يكون معهم.

يحكي ابن كثير في (البداية والنهاية) عن الملك المظفر سيف الدين قطُز أنه: “لمَّا رأى عصائب التتار؛ قال للأمراء والجيوش:

لا تقاتلوهم حتى تزول الشمس وتفيء الظلال وتهب الرياح، ويدعو لنا الخطباء في صلاتهم”!![8]

ويقول القاضي ابن شدَّاد عن الملك الناصر صلاح الدين الأيوبي: “ورأيته ساجدًا ودموعه تتقاطر على شيبته ثم على سجادته،

ولا أسمع ما يقول، ولم ينقض ذلك اليوم إلا ويأتيه أخبار النصر على الأعداء، وكان أبدًا يقصد بوقفاته الجُمَع،

سيَّما أوقات صلاة الجمعة؛ تبركًا بدعاء الخطباء على المنابر، فربما كانت أقرب إلى الاستجابة”!!

فاللهمّ منزل الكتاب، ومجري السّحاب، وهازم الأحزاب، اهْزِمْهُمْ وانْصُر عبادك المؤمنين عليهم.

اللَّهُمَّ قَاتِلْ الْكَفَرَةَ الَّذِينَ يكَذِّبُونَ رسُلَكَ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِكَ، وَاجْعَلْ عَلَيْهِمْ رِجْزَكَ وَعَذَابَكَ،

اللَّهُمَّ قَاتِلْ الْكَفَرَةَ الَّذِينَ أوتُوا الْكِتَابَ إِلَهَ الْحَقِّ.

اللهم إنّا نجعلك في نحور المعتدين ومن نصرهم، اللهم نعوذ بك من شرورهم، اللهم اكفنا شرورهم بما شئت.

يارب من اراد بأهلنا في غزّة شرّاً فاشغله بنفسه، وردّ كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميره يا سميع الدعاء.

والله تعالى أعلى وأعلم

_______________

(1) أخرجه مسلم (2577).

(2) أخرجه ابن ماجه (4010)، وأبو يعلى (2003)، وابن أبي حاتم في ((التفسير)) (18954) باختلاف يسير. وقال البوصيري في إتحاف الخيرة (7/363): له شاهد.

(3) عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ” صلاةٌ في المسجدِ الحرامِ بمِئةِ ألفِ صلاةٍ، وصلاةٌ في مسجدي بألفِ صلاةٍ، وفي بيتِ المقدِسِ بخَمسِ مِئةِ صلاةٍ”.

أخرجه ابن ماجه (1406)، وأحمد (14694) باختلاف يسير، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (4144) واللفظ له. وقال العجلوني في كشف الخفاء (2/35): إسناده حسن.

والمسجد الأقصى هو ثانٍ مسجد وضع للناس في الأرض:

فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي ذر رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أول مسجد وضع في الأرض؟ فقال: المسجد الحرام، قلت: ثم أي؟ قال: المسجد الأقصى، قلت: كم بينهما؟ قال: أربعون عامًا”.

ومن صلي في المسجد الأقصى خرج من ذنوبه كما ولدته أمه:

فقد أخرج الإمام أحمد والنسائي وابن ماجه عن عبد الله بن عمرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:  لَما فرغ سليمان بن داود عليهما السلام من بناء بيت المقدس، سأل الله عز وجل ثلاثًا: أن يؤتيه حكمًا يصادف حكمه، وملكًا لا ينبغي لأحد من بعده، وأنه لا يأتي هذا المسجد أحدٌ لا يريد إلا الصلاة فيه إلا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه”، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما اثنتين فقد أعطيهما، وأرجو أن يكون قد أعطي الثالثة”.

أخرجه النسائي (693)، وابن ماجه (1408)، وأحمد (6644) باختلاف يسير. وقال ابن همات الدمشقي في التنكيت والإفادة (54): من أجود أحاديث الباب غير ما ذكر -يعني التي في الصحيحين-.

ولا تشد الرحال إلا إلى هذه المساجد الثلاثة السابق ذكرها:

مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، والمسجد الحرام، والمسجد الأقصى، فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا، ومسجد الحرام، ومسجد الأقصى”.

(4) عن أبي أمامة الباهلي -رضي الله عنه- قال: قالتْ أمُّ شريكٍ يا رسولَ اللهِ فأينَ العربُ يومئذٍ ؟ قال هم يومئذٍ قليلٌ وجلّهم ببيتِ المقدسِ وإمامُهم رجلٌ صالحٌ فبينما إمامُهم قد تقدَّمَ يصلِّي بهم الصبحَ إذ نزل عليهم عيسَى ابنُ مريمَ الصُّبحَ فرجع ذلك الإمامُ ينكُصُ يمشِي القهقرَى لِيَتَقَدَّمَ عيسَى يصلِّي بالناسِ فيضعُ عيسَى يدَهُ بين كتفيهِ ثمَّ يقولُ له تقدَّمْ فصلِّ فإنها لك أقيمتْ فيصلِّي بهم إمامُهم فإذا انصرف قال عيسَى عليه السلامُ افتحوا البابَ فيفتحُ ووراءَهُ الدجالُ معه سبعونَ ألفَ يهوديٍّ كلُّهم ذو سيفٍ محلَّى وساجٍ فإذا نظر إليه الدجالُ ذاب كما يذوبُ المِلحُ في الماءِ وينطلقُ هاربًا ويقولُ عيسَى عليه السَّلامُ إنَّ لي فيكَ ضربَةً لن تسبِقَني بها فيدرِكُهُ عند بابِ اللُّدِّ الشرقيِّ فيقتلُهُ فذكر الحديثَ وفيه قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلم فيكونُ عيسَى ابنُ مريمَ عليه السلامُ في أمَّتي حكمًا عدلًا وإمامًا مقسطًا يدقُّ الصَّليبَ ويذبحُ الخنزيرَ ويضعُ الجزيةَ فذكرَهُ بطولِهِ.

أخرجه أبو داود (4322) بنحوه، وابن ماجه (4077) مطولاً.

(5) ذكره المنذري في الترغيب والترهيب (2/206) وقال: إسناده لا بأس به وفي متنه غرابة.

(6) أخرجه البخاري (2442)، ومسلم (2580).

(7) أخرجه أبو داود (4884)، وأحمد (16368) باختلاف يسير من حديث جابر وأبي طلحة الأنصاري. وقال المنذري في الترغيب والترهيب (3/201): لا ينزل عن درجة الحسن وقد يكون على شرط الصحيحين أو أحدهم.

(8) البداية والنهاية، لابن كثير (13/ 188).

يمكنكم الإطلاع على المزيد من فتاوى متفرقات في العقيدة الخاصة بفضيلة الشيخ الدكتور صلاح الصاوي 

كما ويمكنكم متابعة كافة الدروس والمحاضرات والبرامج الخاصة بفضيلة الشيخ الدكتور صلاح الصاوي

تاريخ النشر : 07 نوفمبر, 2023
التصنيفات الموضوعية:   10 متفرقات في العقيدة., 14 متنوعات, المرئيات

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend