واجبنا تجاه المقاومة الإسلامية

في هذا الوقت الكارثي العصيب حملت لنا وسائل التواصل الاجتماعي بيانا مؤلما من إحدى المرجعيات العلمية السنية تدين فيه إحدى كبريات الحركات الإسلامية، وتتهمها بالابتداع في الدين، والتعاون مع الرافضة، وقد هلل الكيان الغاصب لهذا البيان وأعرب عن إشادته به، ووجه تحيته لهذه الجهة!

وكم آلم هذا البيان كثيرا ممن يشاهدون ما يجري في غزة من مذابح ومجازر واجتياحات؟ وما خلفته من أكوام من الأطلال والاشلاء والخرائب؟ وكيف تداعت كل قوى البغي والظلم والعدوان على قلة من المدنيين العزل برا وبحرا وجوا؟

فهل لكم من نصيحة أو تعليق؟

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد: فلي في التعليق على ما ذكرت جملة من الوقفات:

الأولى: التحقق والتثبت مما ينشر من ذلك على وسائل التواصل الاجتماعي مضمونا وتاريخا، فقد يعبث بمضمونه، وقد يكون مما مضى عليه زمن طويل، وارتبط ساعة صدوره بسياقه وبساط حاله، ثم أعيد اليوم إنتاجه إعلاميا في وسط هذه الجوقة الإعلامية التي يقل فيها التثبت، ويندر فيها التحقيق والتمحيص! والإعلام صناعته في الأصل الإثارة

الثانية: أن المناصحة فيما يرى مجانبته للصواب ينبغي أن تقدم في أحسن حال، توقيتا ومضمونا، وألا يتخذ منها سبيلا إلى الطعن في المخالف، والتهييج عليه، لا سيما في ازمنة الفتن وغربة الدين، وتحت مطرق المحن والكوارث! وأن نحفظ لأهل السابقة علما ونشرا للسنة، أو جهادا، وبلاء في نصرة الحق والزياد عن حياضه سابقتهم وفضلهم، وأن نقدرهم قدرهم، وألا نقزم ونهمش عبوديتهم لله وإن شابها شوب من القصور أو التقصير، بل يثنى عليهم بما أحسنوا فيه، وننصح لهم فيما قصروا فيه وجانبوا فيه الصواب

ثالثا: أن التلبس ببعض البدع ما لم تكن ناقضة لأصل الدين، وموجبة للردة عن الإسلام، لا تقدح في ثبوت أصل الموالاة الإيمانية محبة ونصرة، لا سيما عندما يتعرض هؤلاء لخطر الاستئصال والإبادة الجماعية من قبل عدو لا يتمارى أحد غير مغلوب على عقله في كفره بالله ورسله، ولا عداوته المغرقة والمفرطة لله ولرسوله وللمؤمنين.

رابعا: أن للضرورات اعتبارها فيما يتعلق بالاستعانة بالمخالف، سواء فيما يتعلق بالاستعانة بالمخالف في الدين، والمخالف في أصول السنة، لقد رخص جمهور أهل العلم إبان الغزو العراقي للكويت في الاستعانة بالقوات الاجنبية الصليبية لرد عدوان البعث، سواء أكان الخطر واقعا كما هو الحال بالنسبة للكويت، أم كان متوقعا كما هو الحال بالنسبة لبعض دول الخليج، ولم تكن الاستباحة يومها قد بلغت ما تبلغه العربدة الصهيونية اليوم في غزة على مرآى ومسمع من العالم أجمع!

خامسا: أنه في أوقات الدفع العام تحتشد الامة كلها بكل أطيافها السنية والبدعية لدرء الحرابة وكف العدوان، فكل من أمكن تألفه والاتفاق معه من أهل الإسلام على مشترك من البر والتقوى فلا ينبغي أن يصار إلى استعدائه، ولا سيما في مرحلة الدفع العام، ومسيس حاجة المشهد الدعوي بجميع أطيافه إلى الاصطفاف في خندق واحد، والاجتماع على مشترك من البر والتقوى والمصالح العامة.
وقد روي أن عليا قال للخوارج الذين كانوا من أشد الناس تكفيرا للأمة، وقتالا لها وخروجا على جماعتها (لكم علينا ثلاث: ألا نمنعكم مساجد الله أن تذكروا فيها اسم الله، وألا نمنعكم من الغنيمة والفيء ما كانت أيديكم مع أيدينا، وألا نبدأكم بقتال مالم تقطعوا السبيل وتسفكوا الدم الحرم) ولقد روي أن شيخ الإسلام ابن تيمة كان يقول لمن يستغيث بزيد أثناء القتال (الله خير من زيد) ولم يسع في تكفيره وإخراجه من صفوف المجاهدين.

سادسا: أن الابتلاء كما يكون لرفعة الدرجات قد يكون عقوبة على بعض السيئات، فلا يعني دائما التضييق على الدعوة أنها تمضي على سنن الرشد، بل قد يكون ذلك بسبب شيء من التفريط في تحري المنهج الصحيح في السعي لإقامة الدين، والأقدار لا يحتج بها في تسويغ المعايب، وإنما يتعزى بها عند نزول المصائب، فينبغي اعتبارا ذلك والرجوع إلى أهل الحل والعقد لتجديد المراجعات في ضوئه.

سابعا: ألا تحجبنا عاطفة النصرة لأهل الجهاد والرباط، عن القيام بحقهم في النصح والتوجيه والتسديد فيما جانبوا فيه الصواب، فإن الدين النصيحة، وهم أولى الناس ببذل النصيحة لهم وهم أحرى الناس بقبولها إذا قدمت لهم على وجهها ومن أهلها، وهم يحملون رؤوسهم على أكفهم: إعلاء لكلمة الله ونصرة لدينه وزيادا عن حرماته.

والله تعالى أعلى وأعلم

تاريخ النشر : 13 نوفمبر, 2023

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend