اشتراط التوبة والاستبراء لزواج الزاني بمن زنى بها(1)

أستحلفكم بالله أن تعتبروني ابنًا لكم وأن تُفتوني بما يحفظ لي ولأهلي آخرتنا وبما من شأنه أن يقربنا إلى ربنا، وأن يطمئننا أننا على طريق الصواب، وأن يتسع صدركم لقراءة نازلة سبق وأن تردَّدَتْ عليكم كثيرًا. وقد ترددت كثيرًا قبل أن أراسلكم؛ لأنني قرأت كل فتاوىكم عن حالات تشبه تمامًا حالتي، ولكني لا زلت أجد شيئًا يجثم على صدري.
أنا يا شيخنا الفاضل، وليغفر لي ربي، كنت على علاقة زنى مع زوجتي قبل أن نعقد قراننا مع استيفاء كل الشروط، ولكننا لم نكن نعلم بشرطي التوبة والاستبراء، أنا من جهتي كنت نادمًا على ما فعلت تائبًا إلى ربي عز وجل، وهذا ما دفعني، بالإضافة إلى إحساسي بالذنب تجاه زوجتي لأنها كانت صغيرة السن وعدم تقديرها لجسامة الأمر إلى اتخاذ قرار الزواج؛ حتى نخرج من الحرام إلى الحلال.
وقد رُزِقنا بأولاد، بعد مدة طويلة من الزواج، وهذا من لطف الله ورحمته بنا. وباستثناء المشاكل التي قد تحدث لكل زوجين، فإننا نعيش حياةَ عفة وطهارة، وزوجتي تفعل ما في وسعها، فقد تحجبت منذ سنوات وهي تحافظ على صلاتها مع تقصيرها في بعض الأمور من قبيل التكاسل عن صلاة الفجر، والجمع أحيانًا لبعض الصلوات لظروف العمل ورعاية الأولاد، وهو ما يجعلنا على خلاف باستمرار رغم أنها تطلب مني ألا أشق عليها.
وبعد اضطلاعي على الشروط الآنفة الذكر، قمنا بتجديد عقدنا بحضور الولي، دون أن أعلمه بالسبب، والشهود ومهر جديد.
إلا أنني كلما رأيت شخصين عفيفين سيتزوجان، أحسُّ بالذنب والضيق الشديدين، وتتبادر إلى ذهني بعض الأسئلة؛ حتى إنني بدأت أفكر في الطلاق كحل جذري، إذا كان فيه حفظ لآخرتي وآخرة زوجتي.
هل هناك إمكانية أن نلقى الله أنا وزوجتي ونحن على حرام؟ هل في الطلاق حل لكل وساوسَنا، أم أن أمورنا على خير، وهي صفحة يجب أن تُطوى؟ هل أحسَنَّا بما فعلنا من الزواج والستر؟ هل هاته الهواجس قد تدخل في سوء الظن بالله؟
سامحوني إن أطلت عليكم شيخنا الجليل، ولكنني أجد في مجرد البوح لكم بمكنونات صدري بعضًا من الراحة، راجيًا من الله عز وجل أن أجد في فتواكم وفي جوابكم السكينة وما يحفظ لي ولأهلي آخرتنا.

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فليس في حالتك الآن ما يستوجبُ كلَّ هذا القلق والتوتر؛ فإن قولك: «من جهتي كنت نادمًا على ما فعلت، تائبًا إلى ربي عز وجل، وهذا ما دفعني، بالإضافة إلى إحساسي بالذنب تجاه زوجتي لأنها كانت صغيرة السنِّ وعدم تقديرها لجسامة الأمر، إلى اتخاذ قرار الزواج» هذا «النَّدم تَوْبَةٌ»(1).
وإحساسك بالذنب تجاه زوجتك ورغبتك في الانتقال السريع من الحرام إلى الحلال توبة، والاستبراءُ إنما يكون لازمًا عندما تتزوج المرأة بغير مَن زنى بها؛ فإن تزوجت بمن زنى بها فلا يلزم الاستبراء، وقد جاء في وثيقة مجمع فقهاء الشريعة للأحوال الشخصية ما يلي:
• يشترط لصحة نكاح الزانية شرطان: التوبة من الزنى، واستبراء الرحم منعًا لاختلاط الأنساب، إلا إذا كانت ستتزوج بمن زنى بها فلا يشترط استبراء الرحم اعتبارًا بقول من أجاز ذلك من الفقهاء.
وقد أخذتَ بالاحتياط وجددت العقد، وهذا أقصى ما يمكن أن تفعله لاستكمال الشرعية، فلا تبغض إلى نفسك عبادة ربك! وجدد التوبة، وأصلح ماضيك بالندم، وحاضرك بالإقلاع عن جميع الذنوب، ومستقبلك بالعزم على عدم العودة إلى شيء من ذلك.
واعلم أن ربك واسع المغفرة فلا تقنط من رحمته،{ قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } [الزمر: 53]. والله تعالى أعلى وأعلم.

___________________

(1) أخرجه أحمد في «مسنده» (1/ 422) حديث (4012) ، وابن ماجه في كتاب «الزهد» باب «ذكر التوبة» حديث (4252) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وذكره الكناني في «مصباح الزجاجة» (4/ 248) وقال: «هذا إسناد صحيح رجاله ثقات»، وذكره الألباني في «صحيح الترغيب والترهيب» حديث (3147) وقال: «صحيح لغيره».

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   05 النكاح, 12 فتاوى المرأة المسلمة, 15 الحدود

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend