الحكمة من إيلام الأطفال

الحكمة من إيلام الأطفال

السؤال:

ما الحكمة من إيلام الأطفال؟

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:

فلتكن البداءة بالتأكيد على أن الله جل وعلا فعَّالٌ لما يريد(1)، وأنه جل وعلا لا يُسأَل عما يفعل وهم يسألون(2)،

وأنه جل وعلا هو الحكم العدل اللطيف الخبير الرءوف الرحيم، وأن أفعاله جل وعلا لا تنفكُّ عن حكمته،

أدرك ذلك من أدرك وجهل ذلك من جهل، وأن من الحِكَم ما أطلَعَنا عليها لنزداد بذلك إيمانًا،

ومن الحكم ما أخفاها عنا ابتلاءً واختبارًا، وله فيما أظهر وفيما أخفى الحكمةُ البالغة والحجة البالغة.

ومن بين أوجه الحِكَم في إيلام الأطفال ما يحصلُ للكبار- خصوصًا الآباء- من الاعتبار،

فإنهم لا يكونون عند شيء أكثر صلاحًا وأقل فسادًا منهم عند ألم الأطفال،

فقد يكون أهل هذا الطفل من مرتكبي المحرَّمات أو تاركي بعض الواجبات،

فإذا رأوا تألَّم طفلهم فقد يحملهم ذلك على الانزجارِ وترك المحرَّمات، والاستكانة لله عز وجل،

لاسيما إذا كان هذا الألم بسبب مرض تسببوا ببعض ذنوبهم في وجوده،

هذا فضلًا عما يحصل لهم من الثواب فيما ينالهم من الهَمِّ، ويتعلق بهم من التربية والكفالة، فتكفر السيئات وترتفع الدرجات،

وقد يبلغ العبد بالبلاء ما لا يبلغه بعمله. ثم هو عز وجل يعوض هؤلاء الأطفال عما تعرضوا له إذا صاروا إليه.

ومن ذلك أيضًا ما يورثه ذلك في قلوب الآباء من التفكّر في الدار الآخرة، وأن الدار التي لا كدَرَ فيها هي الجنة،

لا يمس أهلها فيها نصبٌ ولا هم يحزنون(3)، والتفكر في النار وأنها دار الألَم الدائم والشقاء الذي لا ينقطع؛

فيعمل ما يقرِّبه إلى الجنة، ويباعده عن النار.

إلى غير ذلك من الحكم الكثيرة ما علمنا منها وما لم نعلم، فيورثه هذه الزهادة في الدنيا،

والرغبة إلى الله عز وجل ورجاء لقائه، ولله در القائل:

جبِلتَ على كدَرٍ وأنت تريدها
صفوا من الأقذاء والأكدار *** ومكلف الأيام ضد طباعها
متطلب في الماء جذوة نار(4)
والله تعالى أعلى وأعلم.

_________________
(1) قال تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يرِيدُ (107)} [هود: 107].

(2) قال تعالى: {لَا يسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهمْ يسْأَلُونَ (23)} [الأنبياء: 23].

(3) قال تعالى: {الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لغُوبٌ (35)} [فاطر: 35].

(4) هذا البيت لأبي الحسن علي بن محمد بن فهد التهامي من كبار شعراء العرب، وهو من بحر الكامل.

يمكنكم الإطلاع على المزيد من فتاوى الإيمان بالله وحده الخاصة بفضيلة الشيخ الدكتور صلاح الصاوي 

كما ويمكنكم متابعة كافة الدروس والمحاضرات والبرامج الخاصة بفضيلة الشيخ الدكتور صلاح الصاوي

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend