أقسمتُ بالله وكررت القسَمَ على أن من مات من أهل الكتاب لا يُؤمن بما أُرسل به محمد صلى الله عليه وسلم، فهو من أهل النار؛ استنادًا على الأدلة من الكتاب والسنة، ولم أخصص أحدًا بعينه بل كان إطلاقًا على كل من مات على ذلك.. فهل أنا مُخطئٌ؟
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فقد أقسمت على ما أقسم عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله صلى الله عليه وسلم: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ»(1). فأنت حلفت على ما تعتقد صِدقَه وهو صادق في الواقع.
ولكن كان ينبغي أن تنتبه إلى قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث: «لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني»، وأن تُدرك أن المقصود بالسماع هو السماع الذي تقوم به الحُجَّة، وليس السماع المشوَّه من خلال أحبار القوم ورهبانهم فقط، فمن لم يسمع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا من خلال هؤلاء، أي لم يسمع إلا سماعًا مشوهًا لا يستحثه على الطلب، ولا تقوم بمثله حُجَّةٌ، فهذا يقاس على أصحاب الفترات، يُمتحنون في عرصات يوم القيامة، يُوقد الله لهم نارًا يأمرهم بدخولها، فمن أطاع دخل الجنة ومن عصى دخل النار.
ذلك أن العذاب يُستحَقُّ بأحد أمرين: بمعاندة الحجَّة بعد قيامها، أو بالإعراض عن سماعها، أما مع الجهالة فهذا الذي نفى الله العذاب عن أصحابه حتى تقوم عليهم الحجة الرسالية؛ لئلا يكون للناس على الله حُجَّةٌ بعد الرسل، قال تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (15)} [الإسراء: 15]. فمن لم يأته نذيرٌ في الدنيا جاءه نذيرٌ في عرصات يوم القيامة.
روى الإمام أحمد في «مسنده» عن الأسود بن سريع: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أَرْبَعَةٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: رَجُلٌ أَصَمُّ لَا يَسْمَعُ شَيْئًا، وَرَجُلٌ أَحْمَقُ، وَرَجُلٌ هَرَمٌ، وَرَجُلٌ مَاتَ فِي فَتْرَةٍ. فَأَمَّا الْأَصَمُّ فَيَقُولُ: رَبِّ لَقَدْ جَاءَ الْإِسْلَامُ وَمَا أَسْمَعُ شَيْئًا. وَأَمَّا الْأَحْمَقُ فَيَقُولُ: رَبِّ لَقَدْ جَاءَ الْإِسْلَامُ وَالصِّبْيَانُ يَحْذِفُونِي بِالْبَعْرِ. وَأَمَّا الْـهَرَمُ فَيَقُولُ: رَبِّي لَقَدْ جَاءَ الْإِسْلَامُ وَمَا أَعْقِلُ شَيْئًا. وَأَمَّا الَّذِي مَاتَ فِي الْفَتْرَةِ فَيَقُولُ: رَبِّ مَا أَتَانِي لَكَ رَسُولٌ. فَيَأْخُذُ مَوَاثِيقَهُمْ لَيُطِيعُنَّهُ؛ فَيُرْسِلُ إِلَيْهِمْ أَنِ ادْخُلُوا النَّارَ». قَالَ: «فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ دَخَلُوهَا لَكَانَتْ عَلَيْهِمْ بَرْدًا وَسَلَامًا»(2).
زادك الله حرصًا وتوفيقًا. والله تعالى أعلى وأعلم.
__________________
(1) أخرجه مسلم في كتاب «الإيمان» باب «وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم» حديث (153) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(2) أخرجه أحمد في «مسنده» (4/24) حديث (16344)، وابن حبان في «صحيحه» (16/ 356) حديث (7357)، والبيهقي في «الاعتقاد» (169). وقال البيهقي: «وبهذا الإسناد عن قتادة عن الحسن عن أبي رافع عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحو من هذا. وهذا إسناد صحيح». وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (7/215- 216) وقال: «هذا لفظ أحمد ورجاله رجال الصحيح».
أقسمتُ بالله أن من مات من أهل الكتاب فهو من أهل النار
تاريخ النشر : 26 مايو, 2025
التصنيفات الموضوعية: 02 الإيمان بالله: (توحيد الربوبية، والألوهية، والأسماء والصفات – الشرك وأقسامه).
فتاوى ذات صلة:
