حول كتاب «ملفوظات الشيخ إلياس»

السؤال

قرأتُ في كتاب اسمه «ملفوظات الشيخ إلياس» (مؤسس جماعة التبليغ) ما يلي:

وقال الشيخ رحمه الله مرة: إن الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جُزءًا من النبوة، فبعض الناس يرتقون بالرُّؤيا الصالحة ما لا يبلغونه بالرياضيات؛ لأنهم يتلقون على العلوم الصحيحة بالرؤيا التي هي جزءٌ من النبوة، وكيف لا يرتقون فلذا قيل: «إن بالعلم تزدادُ المعرفة وبالمعرفة يزداد التقرب».

ثم قال: في هذه الأيام تُلقى إليَّ العلوم الصحيحة في الرؤيا، فلذا حاولوا أن أنام أكثر،  فبسبب النشوفية كان لا ينام إلا قليلًا، فبعد مشورتي مع الأطباء أدهنت رأسه بزيت فزاد نومه.

ثم قال الشيخ: إن طريقة الدعوة والتبليغ أيضًا قد انكشفت لي في الرؤيا وقال الله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران: 110].

وتفسير هذه الآية قد أُلقِي إليَّ في المنام، أي الأمة المسلمة مثل الأنبياء عليهم السلام أُخرجت للناس، وفي كلمة «أخرجتْ» إشارة إلى عدم الجمود في العمل في مكان واحد، فالضرورة في الخروج والتنقل من مكان إلى مكان، وإن عملكم هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

ثم قال: «تؤمنون بالله» مخبرًا بأن عملكم هذا «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» يُرقي ويزيد إيمانكم بالله؛ لأن حصول الإيمان مطلقًا قد علم من قوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ} [آل عمران: 110]. إذن لا تقصدوا به هدايةَ الآخرين بل انووا نفعَ أنفسكم.

وفي قوله: {أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 110] ليس القصد من الناس العربُ، بل غير العرب؛ لقوله تعالى في العرب: {لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ (22)} [الغاشية: 22]، {وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (107)} [الأنعام: 107]. مخبرًا عن العرب بأن هدايتَهم قد قُدِّرت لهم، فلا يزداد اهتمامك فيهم. نعم إن المخاطبين بقوله: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ} [آل عمران: 110] هم العرب. وبـ«الناس» الآخرون الذين هم غير العرب، فبعده قوله تعالى: {وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ} [آل عمران: 110] دال على ذلك.

وقوله هنا: «خيرًا لهم» ولم يقل: «خيرًا لكم» لأن الداعي إنما يستفيد بدعوته في تكميل إيمانه؛ سواء استجاب المخاطب أو لم يستجب؛ فإذا استجاب المخاطَب وآمن فإنه يستفيد به المخاطب أيضًا، ولكن فائدة الداعي ليست موقوفةً على الاستجابة.

هل في هذا الكلام من مغالطات شرعية أو عقائدية؟

الجواب

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:

فإني أخاف أن يكون هذه الكلام قد نُقل من لغتِه الأم بترجمةٍ ركيكة جنَت على المعنى؛ لوجود اضطراب ظاهر بين بعض العبارات، وإن كان قد كتبه صاحبه رحمه الله باللغة العربية فالضعف في اللغة ظاهر، وأخشى أن تكون عباراتُه قد تقاصرت عن حمل ما يريده من معاني.

والرؤى المناميَّة لغير الأنبياء ليست مصدرًا للتشريع، ولا تصلح حجًّة في تحليل ولا تحريم، ولكن قد يُستأنس بها في الترجيح بين البدائل المشروعة، فلو أراد إنسان مثلًا أن يفاضل ببين التحاقه بكلية أصول الدين أو بكلية الشريعة ثم استخار ربه فرأى في منامه رؤيا أرشدته إلى أحد هذين الخيارين- فلا حرج في الاستئناس بها؛ لأن كِلَا الأمرين مشروعٌ.

ومثل هذا في الوسائل الدعوية الاجتهادية فقد يُستأنس بما جاء من رُؤَى منامية في أعقاب استخارة، ويصلح هذا في حقِّ الرائي ولا يعتبر حجَّةً على غيره.

وفي تفسير قوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 110] أقوال شَتَّى لأهل العلم، هل المقصود بها الصحابة خاصة؟ أم مَن هاجر منهم بصفة أخص؟ أم المؤمنون عامة؟

قال أبو هريرة: معناه: كنتم خير الناس للناس تَجيئون بهم في السلاسل فتدخلونهم في الإسلام، فما أخرج الله للناس أمةً خيرًا من أمة محمد صلى الله عليه وسلم. ولذا جاء عند الترمذي قولُ النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّكُمْ تَتِمُّونَ سَبْعِينَ أُمَّةً أَنْتُمْ خَيْرُهَا وَأَكْرَمُهَا عَلَى الله»([1]).

وقد يكون الذي قاله رحمه الله محتملًا ولكنه ليس بمُتعَيِّن، والتفسير يؤخذ من أهل التفسير كما يؤخذ الحديث من أهل الحديث، ويتأول لهؤلاء ويعتذر عنهم ما أمكن، وينصح لهم. والله تعالى أعلى وأعلم.

___________________

([1]) أخرجه الترمذي في كتاب «تفسير القرآن» باب «ومن سورة آل عمران» حديث (3001) من حديث معاوية بن حيدة رضي الله عنه، وقال: «حديث حسن».

تاريخ النشر : 03 فبراير, 2021

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend