الصلاة على قاتل نفسه

هل يُصلَّى على من قتل نفسه في «سيدي بوزيد» بتونس احتجاجًا على الحكومة؟

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فإن قَتْل النفس من أكبر الكبائر، مهما كان تأوُّل القائم بذلك، فإن الإنسان مِلك لخالقه وليس ملكًا لنفسه؛ لذلك لا يجوز أن يتصرف في نفسه إلا في حدود ما أذن له الخالق، فليس له أن يضر نفسه بقتلها بجراحة بزعم أنه لم يتعدَّ على أحد؛ لأن اعتداءه على نفسه كاعتدائه على غيره عند الله تعالى، وقد قال تعالى: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾ [النساء: 29]
وقد وردت النصوص بالوعيد الشَّديد لقاتل نفسه، نذكر منها:
حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي ﷺ قال: «مَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ يَتَرَدَّى فِيهِ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ تَحَسَّى سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَسُمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدَيْهِ يَجَأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا»(1).
ومنها حديث ثابت بن الضحاك رضي الله عنه  عن النبي ﷺ قال: «مَنْ حَلَفَ بِمِلَّةٍ غَيْرِ الْإِسْلَامِ كَاذِبًا مُتَعَمِّدًا فَهُوَ كَمَا قَالَ، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ عُذِّبَ بِهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ»(2).
أما الصَّلاة على قاتل نفسه فقد قال مالك(3) وأبو حنيفة(4) والشَّافعي(5) وجماهير العلماء: «يصلى عليه».
ونقل النووي عن القاضي عياض قوله: «مذهب العلماء كافة الصَّلاة على كل مسلم ومحدود ومرجوم وقاتل نفسه وولد الزنى. وعن مالك وغيره أن الإمام يجتنب الصَّلاة على مقتولٍ في حدٍّ، وأن أهل الفضل لا يصلون على الفساق زجرًا لهم»(6). اهـ.
ونازع في ذلك بعض أهل العلم فقالوا بعدم الصَّلاة على قاتل نفسه، واستدلوا بما ثبت في «صحيح الإمام مسلم» من حديث جابر بن سَمُرة رضي الله عنه  أن النبي ﷺ أُتي برجل قتل نفسه بمشاقصَ فلم يُصَلِّ عليه(7).
والـمشاقص: سهامٌ عراض، واحدها مِشقَص بكسر الميم وفتح القاف.
وأجاب الجمهور عن ذلك بأن النبي ﷺ لم يُصَلِّ عليه بنفسه زجرًا للناس عن مِثل فعله، وصلَّتْ عليه الصَّحابة.
فالحاصل أن قاتل نفسه يُصلَّى عليه في الرَّاجح، وأمره إلى الله عز و جل  إن شاء عذبه وإن شاء غفر له. واللهُ تعالى أعلى وأعلم.

__________________

(1) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب «الطب» باب «شرب السم والدواء به وبما يخاف منه والخبيث» حديث (5778)، ومسلم في كتاب «الإيمان» باب «غلظ تحريم قتل الإنسان نفسه وأن من قتل نفسه بشيء عذب به في النار وأنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة» حديث (109).

(2) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب «الجنائز» باب «ما جاء في قاتل النفس» حديث (1364)، ومسلم في كتاب «الإيمان» باب «غلظ تحريم قتل الإنسان نفسه وأن من قتل نفسه بشيء عذب به في النار وأنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة» حديث (110).

(3) جاء في«البيان والتحصيل» من كتب المالكية (2/238-240):«وسئل عن جارية غارت على سيدها فشربت نورة، فقتلت نفسها، أيصلى عليها؟ قال: نعم يصلى عليها. قيل له: فإن رجلا عندنا ذبح نفسه، أيصلى عليه؟ فقال: ولم ذبح نفسه؟ فقال: كان ابن معاوية قد عذبه عذابا شديدا، ثم قيل له: غدا يفعل بك كذا وكذا، فخافه، فأخذ سكينا فذبح بها نفسه؛ أفترى أن يصلى عليه؟ فقال: نعم، وما سمعت أن أحدا ممن يصلي القبلة ينهى عن الصلاة عليه».

(4) جاء في«درر الحكام شرح غرر الأحكام» من كتب الحنفية (1/163):«قوله: قاتل نفسه يغسل ويصلى عليه) المراد قاتلها عمدا وهذا ما قاله بعض المشايخ».

(5) جاء في«حاشيتي قليوبي وعميرة» من كتب الشافعية (1/407-408):«قوله: (وقاتل نفسه كغيره إلخ)….. وما ورد من أنه لم يصل عليه صلى الله عليه وسلم منسوخ أو محمول على الزجر».

(6) «شرح النووي على صحيح مسلم» (7/47).

(7) أخرجه مسلم في كتاب «الجنائز» باب «ترك الصلاة على القاتل نفسه» حديث (978).

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   02 الصلاة, 03 الجنائز

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend