اشتراط الندم لصحة عقد زواج الزاني بمن زنى بها

بعد تردُّدٍ شديد وعذاب نفسي لا زلت أعاني آثاره، قررت أن أستفتيكم خصوصًا بعد ورود العديد من الحالات التي تتعلق بنكاح الزاني بمن زنا بها. وحالتي قد تبدو خاصة، فبعد طول مدة الزواج وبعد معرفتي بالشروط، قمت بتجديد العقد على سبيل الاحتياط. إلا إنني إلى الآن، وقبل وبعد تجديد العقد، حين أطرح السؤال على زوجتي: هل ندمتِ على ما كنا نقوم به من الزنا، تجيب أنها لا تعلم وبأن هذا الشعور لا يعتريها. بالنسبة لها كان ما قمنا به عملًا يقع فيه الكثير من الشباب وقد تزوجنا ويجب أن ننسى الأمر.
وقد استفتيت أحد العلماء، فقال لي أنها بذلك لم تزُل عنها صفة الزانية لانتفاء شرط الندم وبالتالي فعقدي بل وحتى تجديده باطلين. للإشارة فزوجتي تلبس الحجاب وتحافظ على صلواتها وعلى الذكر، كما أنها ترعاني وترعى أولادها.
هل علي تجديد عقدي مرة أخرى؟ وإن كان يجب ذلك على سبيل الاحتياط، فبأية شروط؟ إن لم يكن علي ذلك؟ هل تبقى في عقد نكاحي شبهة لأن فيه اختلافًا؟
هل يزول عني الحرج إذا اتبعت فتواكم لما فيها من حجة ومن رفع للحرج دون أن ألتفت إلى باقي الآراء، درءًا للوساوس؟
أرجو أن تتفهموا وضعي أيها الشيخ الفاضل، وأن تجيبوني إجابة واضحة شافية، كما لمسته من تتبعي لفتاوىكم، فالبحث على مواقع الفتاوى أصابني بالإحباط؛ لأنها كلها تؤكد على ضرورة التوبة بشروطها قبل العقد. أما بخصوص الاستبراء فقد حصلت على الإجابة في فتاوىكم السابقة.

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فإن مشكلتك تتمثل في تسوق الفتاوى عبر الإنترنت، الفتاوى لا تتسوق كما تتسوق الأغراض المنزلية! فإن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم(1).
ولا يزال كثير من مسائل الفقه حمالًا ذا وجوه، وإن مضيت في هذا الطريق فلن تصل إلى غاية، ولن ترسو سفينتك على شاطئ، بل اسأل من تثق في علمه ودينه من أهل الفتوى، والزم غرزه، ولا تُكثر القفز بين المفتين.
من ناحيتي لقد أفتيتك بما أعرف وليس عندي مزيدٌ أضيفه، التوبة التي تتحدث عنها مطلوبة جدًّا، ومهمة جدًّا، ولا بديل منها، ولا غنى عنها لتنجو من العذاب، ولكنها عند جمهور الفقهاء ليست شرطًا في صحة العقد، ألا يكفيك تقليد جمهور الفقهاء لتريح نفسك من هذا العناء؟!
أما الاستبراء فقد استرحت بحمد الله إلى ما ذكرناه لك، لا تعذب نفسك بنفسك، ولا تسلم قيادك للشيطان يعبث بك من باب الشبهات كما عبث بك من قبل من باب الشهوات! أرجو أن تغلق ملف هذه القضية بعد اليوم، وأن تشتغل بما ينفعك. والله تعالى أعلى وأعلم.

_____________

(1) أخرجه مسلم معلقًا في «المقدمة» عقب باب «بيان أن الإسناد من الدين وأن الرواية لا تكون إلا عن الثقات وأن جرح الرواة بما هو فيهم جائز بل واجب وأنه ليس من الغيبة المحرمة بل من الذَّبِّ عن الشريعة المكرمة»؛ من قول محمد بن سيرين رحمه الله.

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend