القول بأن المعاصي كلها من باب الشرك

فضيلة الشيخ بارك الله في عمرك وعلمك.
أولًا: هل يجوز القول بأن المعاصي كلها من باب الشرك بالمعنى العام؟ وكيف يمكن الجمع بين هذا القول ومنهج أهل السنة والجماعة بأن الأنبياء غير معصومين من الصغائر، والتي هي عند من يرى هذا القول بأن الصغائر هي أيضًا من الشرك؟ إذًا فالأنبياء إذا كانوا قد ارتكبوا الصغائر فقد ارتكبوا الشرك ولو بالمعنى العام.
وهم يحتجون بقول المولى: ﴿أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ﴾ [الفرقان: 43].
ثانيًا: كيف نطلق على المعاصي التي قد تكون صغائر أو كبائر أنها شرك ولو بالمعنى العام والشارع لم يطلق عليها هذا الوصف! ومعلوم أن الإيمان والكفر والشرك والمعصية والكبائر قد حدها الشارع ولم يترك لنا المجال لنسميها كما قال ابن تيمية في أكثر من موضع؟! أفتونا مأجورين.

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فيفرق أهل السنة والجماعة بين الشرك وما دونه لقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ [النساء: 48]، ولما جاء في الحديث القدسي: «يَا ابْنَ آدَمَ، إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الْأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً»(1).
أما قوله تعالى: ﴿أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ﴾ فهذا الذي جعل من شهوتها حكمًا أعلى يقوده ويهيمن عليه ويوجه حركاته وسكناته في حياته فيقوده إلى الكفر والخسران المبين! وللعصاة الـمُصرين على معصية الله نصيب من ذلك، كل بحسبه، ولكن هذا لا يخرجهم من الملة؛ لأن المعاصي من أمور الجاهلية، ولا يكفر أصحابها إلا بالشرك، كما قال البخاري :. ونسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد، والله تعالى أعلى وأعلم.
ــــــــــــــــــــــــ
(1) أخرجه أحمد في «مسنده» (5/148) حديث (21353)، والحاكم في «مستدركه» (4/269) حديث (7605) من حديث أبي ذر رضي الله عنه ، وقال الحاكم: «حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه».
وأخرجه الترمذي في كتاب «الدعوات» باب «في فضل التوبة والاستغفار وما ذكر من رحمة الله لعباده» حديث (3540) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه  وقال: «حديث حسن»، وذكره الألباني في «السلسلة الصحيحة» حديث (127).

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend