السؤال:
هل يجوز استخدام الرؤيا في المنام كمشرِّع لطريقة في الذِّكر أو العبادة والوصول إلى الله كما يفعل بعضُ السادة الصوفية؟
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فإن الرُّؤى يا بني أقسام: منها الرحماني، ومنها الشيطاني، ومنها النفساني، وفي الحديث: «إِنَّ الرُّؤْيَا ثَلَاثٌ: مِنْهَا أَهَاوِيلُ مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ بِهَا ابْنَ آدَمَ، وَمِنْهَا مَا يَهُمُّ بِهِ الرَّجُلُ فِي يَقَظَتِهِ فَيَرَاهُ فِي مَنَامِهِ، وَمِنْهَا جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ»([1]).
والتمييز بين هذا وذاك مُشكِلٌ، فلا يعوَّل عليها في إثبات حكم شرعي أو نفيه، وإنما قصارها أن يُستفاد منها بشارةٌ أو نذارةٌ خاصة، أما الأحكام فلَا، فإن الإجماع منعقدٌ على أن الرؤيا لا تُثبت الأحكام.
قال العراقي: «قد يُفهم من كون الرؤيا جزءًا من أجزاء النبوة ولم يُذكر أنها جزءٌ من الرسالة- أنه لا يعتمد عليها في إثبات حكم وإن أفادت الاطلاعَ على غيب، فشأن النبوة الاطلاعُ على الغيب، وشأنُ الرسالة تبليغُ الأحكام للمكلَّفين، ويترتب على ذلك أنه لو أخبر صادق عن النبي صلى الله عليه وسلم في النوم بحكمٍ شرعي مخالف لما تقرر في الشريعة لم نعتمده»([2]).
هذا بخلاف رؤيا الأنبياء فإنها وحيٌ معصوم باتفاق الأُمَّة؛ ولهذا أقدم الخليلُ على ذبحِ ابنه إسماعيل عليهما السلام بالرُؤيا. وأما رُؤيا غيرهم فتُعرَض على الوحي الصريح، فإن وافقته، وإلا لا يُعمل بها.
وقد حُكي عن بعض أهل العلم أن شخصًا قال له ليلة شَكٍّ: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وقال لي: صم غدا أو نحو ذلك؟ فقال له القاضي: قد قال لنا في اليقظة لا تصوموا غدًا؛ فنحن نعتمد ذلك، ففي الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَلا يَوْمَيْنِ إِلا رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمًا فَلْيَصُمْهُ»([3]).
وعن عمار بن ياسر رضي الله عنه قال: من صام اليوم الذي يشكُّ فيه الناس فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم([4]).
قال ابن حجر رحمه الله: «استُدل به على تحريمِ صوم يوم الشكِّ؛ لأن الصحابي لا يقول ذلك من قبل رأيه»([5]). والله تعالى أعلى وأعلم.
_________________
([1]) أخرجه ابن ماجه في كتاب «تعبير الرؤيا» باب «الرؤيا الثلاث» حديث (3907) من حديث عوف بن مالك رضي الله عنه، وذكره الكناني في «مصباح الزجاجة» (4/155) وقال: «إسناد صحيح رجاله ثقات».
([2]) «طرح التثريب في شرح التقريب» للعراقي (8/205).
([3]) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب «الصوم» باب «لا يتقدم رمضان بصوم يوم ولا يومين» حديث (1914)، ومسلم في كتاب «الصيام» باب «لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين» حديث (1082)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
([4]) أخرجه الترمذي في كتاب «الصوم» باب «ما جاء في كراهية صوم يوم الشك» حديث (686)، وقال: «حديث حسن صحيح».