ما قول فضيلتكم في مسألة «حوادث لا أول لها» و«مخلوقات لا أول لها»؟ أرجو ذكر الأدلة؟ وما درجة الخلاف فيها؟ علمًا بأن هذا القول (وجود حوادث لا أول لها ووجود مخلوقات لا أول لها) منسوب إلى بعض العلماء الأفاضل مثل الشيخ ابن عثيمين والشيخ ابن باز والشيخ السعدي والشيخ صالح الفوزان والشيخ صالح آل الشيخ وغيرهم.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
مسألة «حوادث لا أول لها» من المسائل الدقيقة، وهي وعرة المسلك بعيدة الغور، وسأذكر لك من هذا جملًا أرجو أن تكون نافعة بإذن الله، إن الذي لا ينبغي أن يغلب عليه المسلم في هذه القضية هو اعتقاده بما يلي:
– أن الله تعالى هو الأول الذي ليس قبله شيء.
– أن الله تعالى متصف بصفات الكمال أزلًا وأبدًا، ومنها كونه خالقًا لما يشاء متى شاء، فعالًا لما يريد، فلم يأت عليه زمن كان مُعَطلًا عن الخلق أو الكلام، أو غير ذلك من صفات كماله ونعوت جلاله.
– أن كل ما سوى الله تعالى مخلوق له، مربوب، كائنًا بعد أم لم يكن.
إذا سلمت لك هذه الأصول فقد تجاوزت القنطرة، وتبقى بعد ذلك قضية التفريق بين الجنس والآحاد، أو حكم الواحد وحكم المجموع، وتلك قضية قد يعسر على بعض الناس تصورها، فإن عجز عن ذلك ووقف عند الأصول المحكمة السابقة فلا حرج.
أما ما يقال من أنه قد يترتب على ذلك القول بتسلسل الحوادث- فالجواب أن ما يريد أهل الحق إثباته لله أنه لم يزل خالقًا، ولم يزل متكلمًا ولم يزل سميعًا ولم يزل بصيرًا… إلخ، وأنه لم يكن في وقت من الأوقات معطلًا عن شيء من ذلك، وإنما يكون الخلل لو أننا افترضنا مخلوقًا من مخلوقاته عز وجل متقدمًا عليه أو متأخرًا عنه، وأما القول بأن كل مخلوق يخلقه الله عز وجل ثُمَّ يفنيه متى شاء أن يفنيه؛ فهذا لا يقتضي نقصًا، بل النقص أن يقال: إنه سبحانه وتعالى لم يكن متكلمًا، ولم يكن مريدًا لما يشاء في ذلك الزمن، سواء كان الأزل أو الأبد.
أما ما يقال من أنه قد جاء في السنة أن القلم أول المخلوقات فهذا حديث عن أول مخلوقات هذا العالم المشهود، وليس عن أولية مطلقة. والله تعالى أعلى وأعلم.
وهذه مجرد عجالة في الرد على سؤالك بما أسعف به الوقت، إن كان صوابًا فمن الله، وإن كان الأخرى فأنا ملتزم في الجملة بما عليه السلف، أقرُّ بما به يقرون، وأدين بما به يدينون، فإن أخطأت في تحرير بعض أصولهم، أو فهمتها على غير وجهها فأستغفر الله من ذلك، وأنا راجع عنه في حياتي وبعد مماتي والقول ما قالوا، فقولهم أعلم وأسلم وأحكم، والله من وراء القصد. والله تعالى أعلى وأعلم.