هل هناك أحدٌ من أهل العِلْمِ قال بأن معنى الاستواء الجلوس؟ وهل هذا يجوز وربُّنا سبحانه ينزل نزولًا حقيقيًّا بذاته إلى السماء الدُّنْيا ونحن لا نعلم كيفية النزول؟ فهل كلمة بذاته صحيحة؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فلقد أخبر اللهُ جلَّ وعلا عن نفسه بأنه استوى على العرش في سبعةِ مواضعَ من القُرْآن، وجاء في السنة وصفُه بأنه فوق العرش، قال : ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ [طه: 5]، وقال صلى الله عليه وسلم : «وَالْعَرْشُ فَوْقَ الْـمَاءِ، وَاللهُ فَوْقَ الْعَرْشِ، وَيَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ»(1).
وجاء عن السلف تفسير الاستواء بأربعِ عباراتٍ: العلو، والارتفاع، والاستقرار، والصعود. أشار إليها ابنُ القيِّم في «الكافية الشافية»(1).
ولم يُذكر لفظُ الجلوس في أثرٍ صحيح يُعوَّل على مثله في إثبات هذه الصِّفة، فينبغي الوقوفُ عند ما ورد وصحَّت نسبته إلى السلف.
أمَّا بالنِّسْبة للشقِّ الثَّاني من السُّؤال فالأولى أن نبتعدَ عن ذلك؛ لأنه قد يُوهم معنًى فاسدًا يحتجُّ به من يقول بالحلول، ولا حاجة إليه؛ إلا في مجادلة أن النزولَ هو نزولُ رحمته أو بعض آياته، وقد سُئل العلامة الشَّيخ ابن عثيمين : سؤالًا قريبًا من هذا فجاء جوابُه بمثل هذا الجواب، فقد سئل: هل يَصِحُّ أن نقول: الله معنا بذاته؟ الجواب: هذا اللَّفْظ يجب أن يبعد عنه؛ لأنه يُوهم معنًى فاسدًا يحتجُّ به من يقول بالحلول، ولا حاجة إليه؛ لأن الأصلَ أن كلَّ شيءٍ أضافه اللهُ إلى نفسه فهو له نفسه؛ ألا ترى إلى قوله تعالى: ﴿جَاءَ رَبُّكَ﴾ [الفجر: 22]، هل يحتاج أن نقولَ جاء بذاته، وإلى قوله صلى الله عليه وسلم : «يَنْزِلُ رَبُّنَا إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا»(2) هل يحتاج أن نقولَ: ينزل بذاته، إننا لا نحتاج إلى ذلك؛ اللهمَّ إلا في مجادلةِ من يدَّعي أنه جاء أمرُه أو ينزل أمره لردِّ تحريفه. واللهُ تعالى أعلى وأعلم.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) أخرجه البخاري في «خلق أفعال العباد» (1/43)، وأبو سعيد الدارمي في «الرد على الجهمية» (1/471)، وابن زمنين في «رياض الجنة» ص104 حديث (39)، واللالكائي في «اعتقاد أهل السنة» (3/395- 396) حديث (659)، كلٌّ من حديث ابن مسعود رضي الله عنه .
(2) قال ابن القيم:
|
|