أرجو من فضيلتكم أن تجيبوني عن هذه الأسئلة التي تحيرني منذ أن قرأت كتابكم «أصول الإيمان 1»
1- ما الفارق بين عدم التزام حكم الله الذي يُعد كفرًا والذي يُعد معصية في حين أن كليهما امتناع عن الفعل؟هل هو الاعتقاد؟
2- لماذا تعد القوانين شركًا في الربوبية أو الألوهية أو تبديلًا للشرع المجمع عليه في حين أننا لا نعتقدها دينًا لنا من عند الله وهم لم يقولوا لنا ذلك ولم يقولوا لنا إن الحلال حرام أو العكس بل هم يُقِرُّون بشرائع الدِّين في ظاهر الأمر بلسانهم ولكن يلزمونا بضده؟
3- ما الفارق بين البدع في فروع الدِّين والقوانين؟! والمبتدع يعد بدعته شرعًا ولكنه لا يكفر بها إن لم تكن من البدع المكفرة؟
4- ما صورة الاستحلال أو الجحود المخرج عن الملة سواء العملي أو العقدي؟
5- لماذا لا نصرف الآيات التي ورد فيها نفي الإيمان أو الكفر فيمن حَكمَ بغير ما أنزل الله إلى كمال الإيمان أو الكفر الأصغر بأثر ابن عباس الذي ورد في آيات «المائدة» أم يجب أن نأتي بقرينة لكل منها؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
إليك يا أخي الحبيب الإجابات:
ج1- عدم التزام حكم الله إن كان مردُّه إلى ردِّ الحكم الشرعي أو التكذيب به فهو الكفر الأكبر، وإن كان مردُّه إلى الهوى وغَلَبَة الشهوة والفجور فهو الفسوق والكبيرة، وإن كان مردُّه إلى إكراهٍ حقيقي فهو في دائرة العفو إن شاء الله.
ج2- القوانين الوضعية شرك في باب الربوبية لأن الخلقَ والأمر لله عز وجل ، فمَن تفرَّد بخلق هذا الكون تفرَّد وحده بحق التشريع المطلق له، لا رادَّ لقضائه ولا مُعقب على أمره ونهيه، فمَن زعم لنفسه هذا الحق كليًّا أو جزئيًّا أي زعم أن له الحق في توجيه الخطاب الملزِم إلى الناس إيجابًا ونهيًا وتصحيحًا وإبطالًا على خلاف حكم الله عز وجل ومراغمة لشرعه الذي بينه وأحكمه على ألسنة أنبيائه ورسله فقد جعل نفسه ندًّا لله تعالى، وهي شرك كذلك في باب الألوهية، لإخلالها بأصل توحيد الطاعة والانقياد وهو أحد ركني توحيد الألوهية.
ج3- الفارق بينهما أن المبتدع يظن أنه يوافق الشرع ويحسب أنه يجتهد في عبادة ربه، فالبدعة كما عرفها الشاطبي :: طريقة مخترعة في الدِّين تضاهي الشرعية يُراد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله عز وجل ، فالمبتدع لديه إقرار بالشرع في الجملة وقبول بمرجعية الوحي المعصوم في الجملة ومن ثَمَّ لم يخرج ببدعته منَ الملة أما العلماني الذي يفصل بين الدِّين والدولة فهو مُراغم لربه، ومُعاند لأمره، ومُعادٍ لأوليائه، يظن أنه يأتي بأفضل مما جاءت به الرسل، ومِن ثَمَّ لم يكن مِن جنس المبتدع الذي يظن أنه يبالغ ببدعته في عبادة ربه.
ج4- الاستحلال له صورتان: صورة تئول إلى تكذيب الحكم الشرعي، وصورة تئول إلى ردِّه وإن لم يكن مكذبًا به.
فمَن اعتقد حلَّ المحرمات فهو مستحل، ومَن اعتقد انتفاءَ الحكمة في هذا التحريم فأبى الانقياد له فهو مستحلٌّ كذلك وإن ظلَّ اعتقاده في المحرمات ثابتًا، تمامًا كما أَبَى إبليس أن يسجدَ لآدم مع اعتقاده أن الله قد أمره بهذا السجود ولكنه لم يجد في ذلك حكمة فأَبَى الطاعة والانقياد فكان من الكافرين.
ج5- نفي الإيمان عمَّن لم يحكم بغير ما أنزل الله قد ينصرف إلى نفي أصله وقد ينصرف إلى نفي كماله بحسب حال مَن يحكم بغير ما أنزل الله.
فإن فعل ذلك تكذيبًا لحكم الله أو ردًّا له كان نفي الإيمان نفيًا لأصله، ومَن حكم بغير ما أنزل الله مع بقاء إقراره بحكم الله تصديقًا وقبولًا وانقيادًا قلبيًّا كان نفيُ الإيمان نفيًا لكماله وليس نفيًا لأصله. والله تعالى أعلى وأعلم.