قرأت مقالكم الثمين «مفاتيح في فهم الخطاب الدعوي»، وشجعني هذا على مراجعة بعض ما نسب إليكم على محاور أخرى استبراءً لي ولكم، وإنصافًا للدعوة والدعاة.
لقد نُسب إليكم نفيُ الشرك عن الطواف بالقبور، وقياسه على الطواف بالبيت، فما مدى صحة هذه الدعوى؟!
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فلا يحلُّ في دين الله طوافٌ إلا بالبيت العتيق والصفا والمروة، كما قال تعالى: ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ [الحج: 29]. وكما قال تعالى: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ ۖ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا ۚ وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ [البقرة: 158].
وهذا من المحكم الذي لا ينبغي أن يختلف فيه ولا أن يختلف عليه، فكل طواف وراء ذلك فهو بدعة منكرة.
وإنما ورد التفصيل في حكم من يطوفون بغير البيت وبغير الصفا والمروة من جهلاء المتصوفة والقبوريين، هل يحكم عليهم جميعًا بالشرك الأكبر بغير تفصيل أم يفصل بين من طاف بقبور الصالحين تقربًا لأصحابها فهذا هوالشرك، ومن طاف بها ظنًّا أن هذا مما يتقرب به إلى الله عز وجل كما يتقرب له بالطواف حول البيت، فيكون فعله هذا بدعة من البدع؟
وبعبارة أخرى: في ظل شيوع الجهالة وقلة العلم بآثار الرسالة، لو كنا أمام رجل يطوف بقبر من القبور، فأخذناه لنستبين موقفه لنجري عليه الحكم اللائق به، فوجدناه يعتقد- جهالةً- أن طوافَه بالقبر طاعة لله تعالى وتعظيمٌ لأمره، وأن الله تعالى كما تعبده بتحية البيت بالطواف حوله تعبده بتحية قبرِ الولي بالطواف حوله، وأن هذه من جنس محبة الصالحين وتوقيرهم الذي جاءت به الشريعة، وأنه كما لم يُعتبر الطواف بالبيت عبادةً للبيت بل لرب البيت، لا يعتبر الطواف بالقبر عبادة للقبر بل لرب القبر، وأنه يفعل ذلك طاعة لله وانقيادًا لأمره.
المقطوع به أن اعتقاده هذا بدعة، وأن فعله هذا بدعة، وأنه باطل وغير مشروع؛ ولكن هل تحقق فيه على هذا النحو مناط الشرك؟ وهل يتسنى الحكم عليه بأنه مشرك مع وجود هذه الشبهة؟!
لقد سُئِلَت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء والدعوة ببلاد الحرمين (1/206): ما حكم الطواف حول أضرحة الأولياء، أو الذبح للأموات أو النذر؟ ومن هو الولي في حكم الإسلام؟ وهل يجوز طلب الدعاء من الأولياء أحياءً كانوا أم أمواتًا؟
فأجابت: الذبح للأموات أو النذر لهم شركٌ أكبر.
والولي: من والى الله بالطاعة، ففعل ما أمر به وترك ما نهي عنه شرعًا ولو لم تظهر على يدِه كرامات.
ولا يجوز طلب الدعاء من الأولياء أو غيرهم بعد الموت، ويجوز طلبه من الأحياء الصالحين.
ولا يجوز الطواف بالقبور، بل هو مختص بالكعبة المشرفة، ومن طاف بها يقصد بذلك التقرب إلى أهلها كان ذلك شركًا أكبر، وإن قصد بذلك التقرب إلى الله فهو بدعة منكرة، فإن القبور لا يُطاف حولها ولا يصلى عندها ولو قصد وجه الله. انتهى.
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله، ما نصه: كنت جالسًا مع إخوة لي من أبناء وطني من صعيد مصر، فقالوا لي: يوجد عندنا مقام لأبي الحسن الشاذلي من طاف به سبع مرات كانت له عمرة، ومن طاف به عشر مرات كان له حجة، ولا يلزمه الذهاب إلى مكة، فقلت لهم: إن هذا الفعل كفرٌ بل شركٌ- والعياذ بالله- فهل أنا مصيب؟ وبماذا تنصحون من ينخدع بذلك؟
الجواب: نعم قد أحسنت، لا يجوز الطواف بالقبور، لا بقبر أبي الحسن الشاذلي، ولا بقبر البدوي، ولا بقبر الحسين، ولا بالسيدة زينب، ولا بالسيدة نفيسة، ولا بقبر من هو أفضل منهم؛ لأن الطواف عبادة لله، وإنما يكون بالكعبة خاصة، ولا يجوز الطواف بغير الكعبة أبدًا، وإذا طاف بقبر أبي الحسن الشاذلي أو بمقامه يتقرب إليه بالطواف، صار شركًا أكبر، وليس هو يقوم مقام حجة، ولا مقام عمرة، بل هو كفرٌ وضلال، ومنكر عظيم، وفيه إثم عظيم.
فإن كان طاف يحسب أنه مشروع، ويطوف لله لا لأجل أبي الحسن فهذا يكون بدعة ومنكرًا، وإذا كان طوافه من أجل أبي الحسن ومن أجل التقرب إليه فهو شرك أكبر والعياذ بالله.
هذا هو الذي نصرناه وتبنيناه، ونعتقده صوابًا في هذه المسألة. والله تعالى أعلى وأعلم.