علماءنا الكرام، أنا مصاب بوسوسة في باب القضاء والقدر، فهل يجوز لي عدم استحضار واستشعار الإيمان بالقضاء والقدر في حالة الإقبال على أي مشروع؟ لأن ذلك يُورثني ضعفًا في التفاعل وترقب المستقبل، بل حتى أذكر أنني كنت أدعو الله بحماس ولكن لما قرأت في القدر ضعف عندي الحماس بل قد تركته تقريبًا.
وعلى هذا فهل يجوز لي على وجه الخصوص عدم استحضار واستشعار الإيمان بالقضاء والقدر في حالة الإقبال على أي مشروع من باب سياسة النفس سياسة شرعية؟
علمًا بأنني أعلم أن الإيمان بالقدر على الوجه الصحيح لا يورث ذلك، ولكنني لم أستطع الجمع بين ترقب المستقبل والحماس في تنفيذ أي مشروع وبين استشعار واستحضار أن الله قد كتب مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة.
وهنا ملاحظة: أنا لا أعني عدم الاستشعار والاستحضار أي عدم الإيمان بالقدر، كلَّا، فالقدر ركن من أركان الإيمان، ولكن أقصد ألا يكون على بالي دائمًا، وخاصة حينما أهمُّ بعمل من الأعمال.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فقد أحسنت عندما ذكرت أن الإيمان بالقدر ركن من أركان الإيمان، وأسأت عندما استسلمت لسوء القراءة وسوء التفسير الذي تجرُّه إليك هذه الوساوس، فإن كل شيء خلقه الله بقدر، فالجوع والشِّبع والظمأ والرِّيِّ والمرض والصحة كل ذلك قدر، ونحن ندفع القدر بالقدر، فندفع قدر المرض بقدر التداوي، وقدر الجوع بقدر تناول الطعام، وقدر الظمأ بقدر تناول الماء، ونستجلب الولد بقدر الزواج ومباشرة الأهل.
لماذا لم تمتنع عن الطعام ما دام الشبع مقدرًا! لماذا لا تمتنع عن الزواج ما دام الولد مقدرًا! لماذا لا تمتنع عن التداوي ما دامت الصحة مقدرة!
هذا، ولم يقل أحد من أهل العلم أن الإيمان بالقدر يعني التفريط في اتخاذ الأسباب، بل يجب عليك عندما تكون في مقام الأسباب أن تحسن اتخاذها وكأن الأسباب هي كل شيء، وعندما تكون في مقام التوكل على الله أن تتبرأ من الحول والقوة وكأنك لم تأتِ من الأسباب بشيء.
فالحل أيها الموفق لا يكون بتجاهل الإيمان بالقدر، بل بمراجعة فهمك له، ودفع وساوسك وشبهاتك فيه.
ونسأل الله أن يردك إليه ردًّا جميلًا، وأن يهيئ لك من أقداره الطيبة ما يتجاوز بك هذه المحنة بإذن الله. والله تعالى أعلى وأعلم.