سخط قدر الله لمن تتذكَّر ابنَها الفقيدَ عند رُؤية أبناء الآخرين

الحمد لله على كل حال، لقد مات ابني وهو في الشهر التاسع قبل الولادة، والحمد لله، إنني تقبلت الموقف وحمدت الله وظننته من الابتلاءات الحسنة؛ لما فيها من الأجر، اللهم لا تحرمنا الأجر.
ولكنني بعد مرور ما يقرب من شهرين ما زال يراودني شعور غريب، فلست أدري أحرام أن أبكي أو أن تراودني نفسي بالتفكير فيما حدث؟
أشعر أيضًا بشعور غريب كأني لا أريد الجلوس مع صديقاتي والناس جميعًا؛ لأني أعرف أنهم يريدون أن يواسوني ولكني أريد أن أنسى، وأشعر بالحرج إذا حمل أحد من صديقاتي أو ولد لأحد ولدًا؛ لا لأني لا أريد لهم الخير، ولكن لأنه يفكِّرني بما مضى.
أخاف من أن أكون أتسخط على قدر الله وأنا لا أدري، ولكن لا أدري.
أشعر وكأني لم أُعطَ الوقت الكافي لأن أتأقلم مع الوضع، لست أدري ماذا أفعل؟
أفيدوني، جزاكم الله خيرًا.

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فأسأل الله يا بنيتي أن يُحسن عزاءك، وأن يجعل ولدك شفيعًا لك ولوالدِه يوم القيامة.
واعلمي أن لله ما أخذ ولله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى؛ فاصبري واحتسبي(1).
ومما يهون المصيبة استشعار الثواب، يقول الله تعالى: «مَا لِعَبْدِيَ الْـمُؤْمِنِ جَزَاءٌ إِذَا قَبَضْتُ صَفِيَّهُ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا ثُمَّ احْتَسَبَهُ إِلَّا الْـجَنَّة»(2).
واعلمي «إِنَّ عِظَمَ الْـجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلَاءِ، وَإِنَّ الله إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ»(3).
فاضرعي إلى الله عز وجل  أن يرزقك الصبر على ما ابتلاك به، وأن يربط على قلبك، وأن يخلفك خيرًا مما فقدت.
وعليك بقراءة سيرَةِ السَّلَف الصالح، وكيف كان حالهم إذا حلَّت بساحتهم المصائب، ونزلت بهم الخطوب.
فقد ثبت في الصحيحين: من حديث أنس رضي الله عنه : أنه كان لأبي طلحة الأنصاري رضي الله عنه  ابْنٌ من أم سليم ل، ومرض الغلام مرضًا شديدًا، وكان أبو طلحة يتعاهده رضي الله عنه  بالسؤال كلما دخل البيت وخرج. وفي يوم من الأيام مات الصبي وأبو طلحة رضي الله عنه  خارج البيت، فقالت أم سليم: لا تخبروا أبا طلحة رضي الله عنه  حتى أكون أول من يُخبر به. وجاء أبو طلحة وسأل عن ابنه كعادته، فقالت أم سليم بعد أن دفنت ابنها: هو أهدأ- أو أسكن- ما يكون. فظن أبو طلحة رضي الله عنه  أن الغلام قد عُوفي ولم يُرِد أن يقلقه، وتهيأت أم سليم لزوجها أحسن ما تكون تصنع من قبل، وقربت إليه طعامه، وأصاب منها ما يصيب الرجل من أهله، فلما رأت أنه قد شبع وأصاب قالت: يا أبا طلحة: أرأيت لو أن قومًا أعار عاريتهم أهلُ بيت فطلبوا عاريتهم، ألهم أن يمنعوهم؟ قال: لا. فقالت: إن ابنك كان عارية من الله وقد استرد الله عاريته؛ فاحتسب ابنك عند الله يا أبا طلحة. فغضب عليها، وقال لها: تركتيني حتى تلطخت ثم تخبريني بأمر ابني؟ وما زالت به ل حتى هدأ وذهب عنه الغضب واسترجع، ثم غدا إلى رسول الله ﷺ في صلاة الصبح، وأخبره بما كان من شأنه وشأن أم سليم، فقال له النبي ﷺ: «بَارَكَ اللهُ لَكُمَا فِي لَيْلَتِكُمَا»، فحملت أم سليم ل بعد ذلك بولدٍ سمَّوه عبد الله. يقول أحد رواة الحديث: فلقد رأيت من صلب هذا الغلام سبعة أو تسعة كلهم حفظوا القرآن(4).
أسأل الله أن يربط على قلبك يا بنيتي، وأن يُحسِن عزاءك، وأن يخلف عليك خيرًا. اللهم آمين. والله تعالى أعلى وأعلم.

ـــــــــــــــــــــــــ
(1) ففي الحديث المتفق عليه؛ الذي أخرجه البخاري في كتاب «التوحيد» باب «قول الله تعالى: قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن» حديث (7377)، ومسلم في كتاب «الجنائز» باب «البكاء على الميت» حديث (923)، من حديث أسامة بن زيد ب قال: كنا عند النبي ﷺ إذ جاءه رسول إحدى بناته يدعوه إلى ابنها في الموت، فقال النبي ﷺ: «ارْجِعْ إِلَيْهَا فَأَخْبِرْهَا أَنَّ لله مَا أَخَذَ، وَلَهُ مَا أَعْطَى، وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمًّى، فَمُرْهَا فَلْتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ».
(2) أخرجه البخاري في كتاب «الرقاق» باب «العمل الذي يبتغى به وجه الله» حديث (6424) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .
(3) أخرجه الترمذي في كتاب «الزهد» باب «ما جاء في الصبر على البلاء» حديث (2396)، وابن ماجه في كتاب «الفتن» باب «الصبر على البلاء» حديث (4031). وقال الترمذي: «حديث حسن غريب»، وحسنه ابن مفلح في «الآداب الشرعية» (2/181)، وذكره الألباني في «السلسلة الصحيحة» حديث (146).
(4) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب «الجنائز» باب «من لم يظهر حزنه عند المصيبة» حديث (1301)، ومسلم في كتاب «فضائل الصحابة» باب «من فضائل أبي طلحة الأنصاري رضي الله عنه » حديث (2144).

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   07 الإيمان بالقضاء والقدر.

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend