يرد القضاء إلا الدعاء

روى الطبري في «تفسيره» عن جمعٍ من الصحابة والتابعين أنهم كانوا يدعون الله سبحانه بتغيير المصير وإخراجهم من الشقاء- إن كُتب عليهم- إلى السعادة، مثلًا كان عمر بن الخطاب t يقول وهو يطوف بالكعبة: اللهم إن كنت كتبتني في أهل السعادة فأثبتني فيها، وإن كنت كتبتني على الذنب- الشقاوة- فامْحُني وأثبتني في أهل السعادة، فإنك تمحو ما تشاء وتُثبت وعندك أم الكتاب(1).

ورُوي نظير هذا الكلام عن ابن مسعود، وابن عباس، وشقيق، وأبي وائل، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَا يُغْنِي حَذَرٌ مِنْ قَدَرٍ»(2)، وفيه أيضًا من حديث سلمان: «لَا يَرُدُّ الْقَضَاءَ إِلَّا الدُّعَاءُ»(3).
السؤال: أليس الحذر نفسه هو من القضاء والقدر؟ وأليس الدعاء هو نفسه من القضاء والقدر؟ وأليس دعاء عمر رضي الله عنه هو من القضاء والقدر؟ وأليس إيماننا بالقضاء والقدر على الوجه الذي أراده الله هو من القضاء والقدر؟ أم أن هناك بعض الأمور التي هي خارجة عن القدر؟
أفتونا بالتفصيل، وجزاكم الله خيرًا. علمًا بأنني قد قرأت أكثر فتاواكم عن هذا الباب.

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فإن اللهَ جل وعلا قد شرع الدُّعاء وأمر به، فقال تعالى ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ وقالت تعالى : ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾ [البقرة: 186].
والدُّعاء من جُملة القدر، فإذا فعل العبد السَّبَب المشروع ودعا فإن ذلك من القضاء، فهو ردُّ القضاء بقضاء، أو ردُّ القدر بالقدر إذا أراد الله ذلك، فقد سبق علم الله بكل شيء، وسبقت كتابته في اللوح لكل شيء، ونفذت مشيئته في كل شيء، وهو الخالق لكل شيء، إلا أن من الأقدار ما يكون محققًا ومنها ما يكون معلقًا، ومن الأمثلة على الأقدار المعلقة ما يعلق من المقادير على الدعاء أو على الصدقة وصلة الرحم ونحوه، فإن الصدقة وصلة الرحم مثلًا تعمران الديار وتُطيلان في الأعمار(4)، وقد علم ربُّك كلَّ شيء، وكتب ربُّك كلَّ شيء، المحقق، والمعلق، والمعلق عليه، وقد ثبت في الحديث الصَّحيح عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم  أنه قال: «إِنَّ الْعَبْدَ لَيُحْرَمُ الرِّزْقَ بِالذَّنْبِ يُصِيبُهُ، وَلَا يَرُدُّ الْقَدَرَ إِلَّا الدُّعَاءُ، وَلَا يَزِيدُ فِي الْعُمُرِ إِلَّا الْبِرُّ»(5)، وكلُّ ذلك مسطور في أم الكتاب. واللهُ تعالى أعلى وأعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) «تفسير الطبري» (13/168).
(2) أخرجه الحاكم في «مستدركه» (1/669) حديث (1813)، والطبراني في «الأوسط» (3/66) حديث (2498)، من حديث عائشة ل، وقال الحاكم: «هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه»، وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (10/146) وقال: «رواه الطبراني في الأوسط والبزار بنحوه وفيه زكريا بن منظور وثقه أحمد بن صالح المصري وضعفه الجمهور وبقية رجاله ثقات».
(3) أخرجه الترمذي في كتاب «القدر» باب «ما جاء لا يرد القضاء إلا الدعاء» حديث (2139). وقال: «حديث حسن».
(4) أخرجه أحمد في «مسنده» (6/ 159) حديث (25298) من حديث عائشة ل، بلفظ: «إِنَّهُ مَنْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنَ الرِّفْقِ فَقَدْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنْ خَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَصِلَةُ الرَّحِمِ وَحُسْنُ الْـخُلُقِ وَحُسْنُ الْـجِوَارِ يَعْمُرَانِ الدِّيَارَ وَيَزِيدَانِ فِي الْأَعْمَارِ». وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (8/ 153) وقال: «رواه أحمد ورجاله ثقات إلا أن عبدالرحمن بن القاسم لم يسمع من عائشة».
(5) أخرجه أحمد بلفظه وتمامه في «مسنده» (5/277) حديث (22440)، وابن ماجه في كتاب «الفتن» باب «العقوبات» حديث (4022)، والحاكم في «مستدركه» (1/670) حديث (1814) بلفظ مقارب، من حديث ثوبان t، وقال الحاكم: «حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه»، وذكره الكناني في «مصباح الزجاجة» (4/187) وقال: «هذا إسناد حسن».

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   07 الإيمان بالقضاء والقدر., 14 متنوعات

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend