هل إذا دعوت لأمي أن يطول عمرها يكون دعائي معارضًا للقدر؟ وهل الله يطيل عمرها؟
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فلا حرج أن تدعو لأمك أن يُطيل الله عمرها في طاعته، وتوجيه ذلك عند بعض أهل العلم أن من الأقدار ما يكون مُحقَّقًا ومنها ما يكون مُعلَّقًا، ومن الأقدار المعلقة ما يكون معلقًا على دعاء الداعين، أو ما يكون معلقًا على الصدقة وصلة الرحم، كما جاء في الحديث «الصَّدَقَةُ وَصِلَةُ الرَّحِمِ تَعْمُرَانِ الدِّيَارَ وَتُطِيلَانِ فِي الْأَعْمَارِ»(1).
وكل ذلك مسطور في أمِّ الكتاب، والأولى من الدُّعاء بطول العمر الدُّعاء بالنجاة من العذاب، فقد روى مسلم في «صحيحه» عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قالت أمُّ حبيبة: اللَّهُمَّ متِّعني بزوجي رسول الله، وبأبي، أبي سفيان، وبأخي معاوية. فقال لها رسول الله ﷺ: «إِنَّكِ سَأَلْتِ اللهَ لِآجَالٍ مَضْرُوبَةٍ، وَآثَارٍ مَوْطُوءَةٍ، وَأَرْزَاقٍ مَقْسُومَةٍ، لَا يُعَجِّلُ شَيْئًا مِنْهَا قَبْلَ حِلِّهِ، وَلَا يُؤَخِّرُ شَيْئًا بَعْدَ حِلِّهِ، وَلَوْ سَأَلْتِ اللهَ أَنْ يُعَافِيَكِ مِنْ عَذَابٍ فِي النَّارِ، وَعَذَابٍ فِي الْقَبْرِ لَكَانَ خَيْرًا لَكِ»(2).
وقد دلَّ هذا الحديث على أن آجال العباد وأرزاقهم مقدرة لا تتغير عما قدره الله تعالى، وعلمه في الأزل، فيستحيل زيادتها ونقصانها عما في علم الله تعالى.
أما ما ورد في الأحاديث الأخرى مما يَدُلُّ على أن صلة الرحم تزيد في العمر(3)، فتأويلها أن الزِّيادة كناية عن البركة في العمر بسبب التوفيق إلى الطاعة، وعمارة وقته بما ينفعه في الآخرة، أو أن الزِّيادة والنقصان بالنِّسْبة إلى علم المَلَك المُوكَّل بالعمر، كأن يقال للملك مثلًا: إن عمر فلان مائة إن وَصَل رحمه، وستُّون إن قطعها. وقد سبق في علم الله أنه يصل أو يقطع، فالذي في علم الله لا يتقدَّم ولا يتأخَّر، والذي في علم الملك يُمكن فيه الزِّيادة والنقصان، وهو معنى قوله تعالى: ﴿يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ﴾ [الرعد: 39].
وقد أمر النبي ﷺ بالدُّعاء بالنجاة من العذاب، بدلًا من الدُّعاء بطول العمر، مع أن الأمرين مفروغٌ منهما؛ لأن الدُّعاء بالنجاة من عذاب النار عبادة أَمَرنا الله بها.
وأما الدُّعاء بطول الأجل فليس عبادة، وقد ذَكَر هذا التوجيه النوويُّ:(4)، علمًا بأنه يجوز الدُّعاء بالبركة في العمر والدُّعاء بطوله، والأحسن تقييده بالطاعة، كما ورد ذلك عن الإمام أحمد : وغيره. والله تعالى أعلى وأعلم.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أخرجه أحمد في «مسنده» (6/159) حديث (25298) من حديث عائشة، بلفظ: «إِنَّهُ مَنْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنْ الرِّفْقِ فَقَدْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنْ خَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَصِلَةُ الرَّحِمِ وَحُسْنُ الْـخُلُقِ وَحُسْنُ الْـجِوَارِ يَعْمُرَانِ الدِّيَارَ وَيَزِيدَانِ فِي الْأَعْمَارِ». وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (8/153) وقال: «رواه أحمد ورجاله ثقات إلا أن عبدالرحمن بن القاسم لم يسمع من عائشة».
(2) أخرجه مسلم في كتاب «القدر» باب «بيان أن الآجال والأرزاق وغيرها لا تزيد» حديث (2663).
(3) ففي الحديث المتفق عليه؛ الذي أخرجه البخاري في كتاب «البيوع» باب «من أحب البسط في الرزق» حديث (2067)، ومسلم في كتاب «البر والصلة والآداب» باب «صلة الرحم وتحريم قطيعتها» حديث (2557)، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ».
(4) شرح النووي على مسلم (16/214).