لَبسٌ في موضوع المعلوم من الدين بالضرورة والإجماع القطعي

يا دكتور أنا عندي لَبسٌ في موضوع المعلوم من الدين بالضرورة والإجماع القطعي الذي يَكفُر مُنكِرُه، وهو إجماع الصحابة فقط أم إجماع عصر الصحابة، وأريد أمثلة على إجماع الصحابة القطعي وإجماعهم السكوتي.
وكلما أقرأ أن هناك إجماعًا من الصحابة على كُفرِ تارك الصلاة أجدُ أيضًا مَن يقول أنه ليس إجماعًا أو أنه إجماعٌ سكوتي، والإجماع السكوتي ظَنِّيٌّ وليس قطعيًّا كما فهمت.
وأرى من يُكفر تاركَ الزكاة ويقول هذا إجماع من الصحابة والله يقول: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} [التوبة: 11]. أي يجب حتى يكون مسلمًا أن يُقيم الصلاةَ ويُؤتي الزكاة.
وبعدها أجد من يقول أنه ليس إجماعًا لأن الرسولَ عليه الصلاة والسلام له حديثٌ في «صحيح مسلم» عن تارك الزكاة، بمعنى أنه في رحمة الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له.
كيف لي أن أعرف الحكمَ؟ وهل أنا مذنبةٌ إذا اعتقدت أن هذا من المختلف فيه ورددته لله ورسوله حتى أستريح من هذا التفكير؟ أم يجب عليَّ الاقتناع برأي؟
أيضًا قرأت أن الصحابة أجمعوا على كُفر من ترك صلاةً واحدةً عمدًا ولم يُصلِّ الصلاةَ في أوقاتها، والشيخ ابن باز كفَّرهم أيضًا، وأن جمهور العلماء لم يكَفِّره، ولكن إذا كان جمهور العلماء على نقيض إجماع الصحابة فلا عبرة بالأخذ برأيهم إن كان إجماعًا قطعيًّا، وإن أخذت برأيهم أكون قد أنكرت معلومًا من الدين بالضرورة وهو الإجماع القطعي.
وهل هنا أكون استحللت ما حرم الله لأنني قبل الزواج كنت أصلي الصلاة في غير أوقاتها، ويوم زواجي لم أصلِّ المغربَ والعشاء، هل معناه أن عقد زواجي فاسدٌ ويجب تجديدُه إذا أخذت برأي الصحابة وابن باز، وأنني إذا استحللت زواجي هذا أكون استحللت حرامًا؟
أيضًا موضوع فوائد البنوك التي حللها شيوخ مصر وقالوا أنها من الأمور المستحدثة ولهم رأيهم، وبعض الشيوخ يحرمونها ولهم أيضًا رأيهم، ما موقفي أنا من هذا كله؟ أنا أؤمن بحرمة الربا، ولكن لا أعلم هل هذه الصورة من الربا المحرم أم لا؟ هل عليَّ شيء في هذا الاعتقاد؟ هل هذا كاف؟ كما أن زوجي يعتقد أنها حلال وهو يأخذ برأي شيوخ مصر ويقول مرجعيتي الأزهر، ويصدقهم ولا يلتفت إلى أي رأي آخر، هل عليه ذنب؟
وهناك شيوخ يحرمونها وشيوخ تحللها على أنها استثمار ولهم رأي معتبر، هل إذا أخذت برأيِ من يُحلِّل أكون أنكرت معلومًا من الدين بالضرورة واستحللت حرامًا أم هذه من المسائل المختلف فيها.
رغم أنني بعد أن علمت هذا التناقض قررت أن أحول أموالي إلى فرع إسلامي إن شاء الله للاحتياط، ولكن حتى بعد أن علمت الخلافَ أنا لا أعلم إن كان هذا خلافًا أم هذا ربا، هل عليَّ شيءٌ أم يجب أن أؤمن أنه ربا رغم اختلاف العلماء؟ فأنا لا أحكم، أنا أقول: لا أعلم أي الرأيين الصواب وأردُّه إلى الله ورسوله، هل علي شيء أو هذا إنكار لشيء؟

الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فإن الذي أدخلك في كل هذه التخَبُّطات، هو طلب العلم من الصُّحف بدون معلم، وقديمًا قالوا: لا تأخذوا العلم عن صحفي. أي الذي يقرأ في الصحف ولا يتلقى على يد معلم.
وُجوب الصلاة والصيام الزكاة يا بنيتي من المعلوم من الدين بالضرورة، ولكن تكفير تارك الصلاة أو الزكاة أو الصيام ليس من المعلوم من الدين بالضرورة قطعًا، بل وقد لا هو الرأي الراجح في هذه المسألة، فإن الجمهور على خلاف ذلك، فكيف تأتين إلى اجتهاد مرجوح عند جماهير أهل العلم تجعلينه راجحًا، بل تجعلينه مجمعًا عليه، بل تجعلينه من الإجماعات القطعية، ثم ترتبين عليه تكفير المخالف؟! بلا اعتبار لعوارض الجهالة وسوء التأويل؟! ظلمات بعضها فوق بعض!
فوائد البنوك من الربا المحرم، ولكن العوام الذين فتنوا ببعض فتاوى علماء السوء معذورون بتأويلهم وحسابهم على الله، لأن الشرط في تكفير المستحل أن لا يكون له في استحلاله تأويلٌ يُعذر به مثله، وشيوع فتاوى الأئمة المضلين مما يمتهد به سبيل إلى عذر هؤلاء، فمن لم يعتقد تحريمَ فوائد البنوك تعلقًا بفتاوى من قال بذلك فهو معذور بتأويله وحسابه على الله.
ونقل مالك إلى بنك إسلامي متعين عند القدرة على ذلك، وتأثمين إذا لم تفعلي، ولكن الإثم وشيء والتكفير شيء آخر.
وقولي مثل ذلك في بقية المسائل التي تحدثت عنها، واعملي بالاحتياط عند القدرة على ذلك، فإن هذا أبرأ لذمتك وأرضى لربك، ولكن لا تتخوضي في لُجج التكفير حتى لا تتشعب بك السبل، وكُفِّي عن هذا المسلسل من التساؤلات البائسة. والله تعالى أعلى وأعلم.

تاريخ النشر : 15 يوليو, 2024
التصنيفات الموضوعية:   09 آداب العلم وطرق تحصيله

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend