هــل مجلـس العـلـم أفضــل من صــلاة النـافـلـة؟

بيـــن طــلب الـعـلـم و أداء نــوافــل الـعـبـادات
هــل مــن دلـيــل عـلـى أن مجلـس العـلـم أفضــل من صــلاة النـافـلـة؟
بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحِيم
الحمدلله، والصلاة والسلام على رسول اللهﷺ،
وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعـــد:
فإن الموفق يا رعاك الله من يضرب في كل غنيمة بسهم ، ولا يقيم خصومة بين مجالس العلم وصلوات النوافل!
فلكل مقامه ولكل ميقاته، فإن العلم كما يقول الخطيب البغدادي رحمه الله:”العلم كالشجرة، والعمل ثمرة، وليس يُعد عالماً من لم يكن بعلمه عاملاً، فلا تأنس بالعمل ما دمت مستوحشاً من العلم، ولا تأنس بالعلم ما كنت مقصراً في العمل، ولكن اجمع بينهما ، وإن قل نصيبك منهما ” انتهى باختصار اقتضاء العلم العمل ” (ص/14)

ولأن العلم كالشجرة، والتعبد كالثمرة، فإذا كانت الشجرة لا ثمر لها فليس لها فائدة كلية، وإن كانت حسنة المنظر ناعمة، وقد ينتفع بها للظل وغيره، ولكن الذي عليه المعول قد عدم منها!
يقول الإمام الذهبي “رحمه الله” في سير أعلام النبلاء جوابًا عن مسألتك هذه (7/167):
[هذه مسألة مختلف فيها: هل طلب العلم أفضل؟ أو صلاة النافلة والتلاوة والذكر؟
فأما من كان مخلصا لله في طلب العلم، وذهنه جيد، فالعلم أولى ، ولكن مع حظ من صلاة وتعبد ، فإن رأيته مجدا في طلب العلم ، لا حظ له في القربات ، فهذا كسلان مهين ، وليس هو بصادق في حسن نيته .
وأما من كان طلبه الحديث والفقه غية ومحبة نفسانية، فالعبادة في حقه أفضل، بل ما بينهما أفعل تفضيل، وهذا تقسيم في الجملة، فقلَّ – والله – من رأيته مخلصا في طلب العلم.
دعنا من هذ كله فليس طلب الحديث اليوم على الوضع المتعارف من حيز طلب العلم، بل اصطلاح وطلب أسانيد عالية، وأخذ عن شيخ لا يعي، وتسميع لطفل يلعب ولا يفهم، أو لرضيع يبكي، أو لفقيه يتحدث مع حدث، أو آخر ينسخ.
وفاضلهم مشغول عن الحديث بكتابة الأسماء أو بالنعاس، والقارئ إن كان له مشاركة فليس عنده من الفضيلة أكثر من قراءة ما في الجزء، سواء تصحف عليه الاسم، أو اختبط المتن، أو كان من الموضوعات.
فالعلم عن هؤلاء بمعزل، والعمل لا أكاد أراه، بل أرى أمورا سيئة، نسأل الله العفو ] انتهى.

هذا عن أحوال كثير من طلبة العلم في زمانه! فكيف لو رآى زماننا؟

ولابن الحاج المالكي نصيحة مطولة، يوصي فيها طالب العلم بالمحافظة على أوراد من العبادات، وينهاه عن تركها، والانشغال بالعلم عنها، فهي حظه ونصيبه من علمه كله، فيقول رحمه الله:
• ❐ (ينبغي له – أي لطالب العلم – ألا يخلي نفسه من العبادات، وأن يكون له ورد من كل شيء منها، إذ إنها سبب الإعانة على ما أخذ بسبيله، لقوله عليه الصلاة والسلام: (واستعينوا بالغدوة والروحة، وشيء من الدلجة) – رواه البخاري (39)، وما يستعان به لا يترك.
وقد كان بنو إسرائيل إذا أراد أحدهم أن يتعلم العلم انقطع للعبادة أربعين سنة حتى يصفو بها قلبه، وينشرح صدره، فحينئذ يأخذ في تعلم العلم، وذلك لطول أعمارهم، وأما هذه الأمة فقد قال مالك رحمه الله: أدركت الناس، وهم يتعلمون العلم إلى أن يصل أحدهم أربعين سنة فينقطع للعبادة، ويطوي الفراش انتهى.

ومعنى: (طي الفراش) مثل ما كان عليه الصلاة والسلام يفعل في العشر الأواخر من شهر رمضان، وكان النبيﷺ يطوي فراشه، ويشد مئزره، ويوقظ أهله، ويقوم الليل كله.

وإذا كان ذلك كذلك فيحتاج في أول طلبه العلم أن يمزجه بالتعبد، إذ إنه ليس ثم عمر طويل في الغالب في هذا الزمان حتى يترك له برهة منه، فيخشى عليه أن يموت وهو في السبب قبل وصوله للمقصود!

وقد قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه:
(تعلموا ما شئتم أن تتعلموا، فلن يأجركم الله عليه حتى تعملوا . .)

❐وقد كان كثير من أهل العلم يرون أن طلب العلم خير من نوافل العبادات، ولكنهم يقررون أيضًا أنه لا تعارض بينهما، وأن طالب العلم إن لم يكن له نصيب وافر من نوافل العبادات، وخاصة السنن الرواتب، فذلك دليل على عدم إخلاصه، وعلى سوء فهمه، وتلبيس الشيطان عليه.
❐هذا هو موقف كبار أهل العلم من مسألتك يا ولدي! فلا تقم خصومة بين العلم والعمل، ولا بين طلب العلم وأداء نوافل العبادات، بل أدّ لكل مقام حقه وسلّ الله التوفيق والقبول.

تاريخ النشر : 03 مايو, 2021
التصنيفات الموضوعية:   09 آداب العلم وطرق تحصيله

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend