مشروعية المظاهرات

ما حكم المشاركة في المظاهرات، أو ما يسمَّى بالثورة في مصر ضد الظلم والفساد؟ ولكن من دون حدوث أيِّ شغب، حيث تعلم فضيلتكم ما نحن فيه من بطالة وفقر وظلم.
وما حكم خروج النساء في المظاهرات؛ لأني ذهبت لهذه المظاهرات مرةً واحدةً، ووجدتُ اختلاطًا شديدًا بين الشباب والفتيات، وكذلك كثيرًا من المتبرِّجات، فضلًا عن الممثِّلات والمغنيات؟ وجزاكم الله خيرًا.

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فإن التظاهر هو إعلان رأي أو إظهار عاطفة في صورة مسيرة جماعية، وهو وسيلة معاصرة من وسائل التعبير عن الرأي، وتوجيه القرار السياسي في المجتمعات الديمقراطية.
والتظاهرَ السلميَّ وسيلةٌ مِن وسائلِ دفع الظلم ومقاومةِ الفساد في واقعنا المعاصر، وهو مِن مسائل السياسة الشرعية التي يتقرَّر حُكمُها في ضوءِ الموازنةِ بين المصالح والمفاسد، وتختلف فيه الفتوى باختلافِ الأشخاصِ والأحوالِ والأزمنةِ والأمكنة، ويُرجَع إلى علماء كل بلدٍ في تقديرِ مصالحه ومفاسده، وتقريرِ حكمه في ذلك البلد المعيَّن.
فيكون مشروعًا إذا حسنت فيه النية، وكانت المصلحة فيه ظاهرة، ولم تعارض بمفسدة راجحة، وقد يبلغ مبلغ الوجوب إذا تعيَّن وسيلة لتحصيل بعض المصالح الراجحة أو تعطيل بعض المفاسد الظاهرة، وقد يكون حرامًا إذا عظمت مفسدته، وغلب ضرُّه على نفعه.
مع التأكيد على حرمة الدماء والأموال والممتلكات الخاصة والعامة في جميع الحالات، فلا يجوز العبث بها ولا انتهاك حرمتها بحال من الأحوال.
ويتمتع التظاهر في المجتمعات الغربية بالشرعية والحماية القانونية، وتنظم القوانين ممارسته حتى لا يتحول إلى وسيلة من وسائل الفوضى أو التخريب للممتلكات والمرافق العامة.
وهو في الإطار الذي تُقرِّره له المجتمعات الغربية يمكن أن يكون وسيلة من وسائل الاحتساب وتحقيق الصالح العام، ولاسيما إذا تعيَّن في بعض المواقع أو في بعض المواقف وسيلة إلى تحقيق هذا المقصود مع ضرورة الاجتهاد في تقليل مفاسده قدر الوُسع والطاقة.
ونظرًا لاختلاط المصالح بالمفاسد في التظاهر فينبغي أن يُرجَع في تقدير ذلك إلى أهل الحل والعقد من أهل العلم، وأن يراقب مشروعيته ثُلَّة من الفقهاء والخبراء، فإن العامة تبع لعلمائهم، وألا يكون الخلاف حوله سببًا لتفرق الكلمة وفساد ذات البين.
أما عن خروج النساء في المظاهرات: فالنساء شقائق الرجال، فكل حكم ينطبق على الرجال ينطبق على النساء، إلا ما ورد الدليل بتخصيصه بالرجال، ففي الحالة التي يتقرر فيه مشروعية التظاهر لغلبة مصالحه على مفاسده، وأمنت الفتنة في مشاركة المرأة في ذلك، كما لو كُنَّ معتزلاتٍ ولم يهتفن على النحو الذي ذكرت، فلا حرج في ذلك فيما يظهر.
وإذا شعرتَ بأنك تُنكِر نفسك وقلبك عندما تُوجَد في هذه التجمعات فيَسعُك اعتزالُها، فما يصلح لزيدٍ قد لا يصلح لعمرٍو في هذه القضية، ولكن لا تُنكِرْ على مَن يذهبون ويجتهدون في استصلاح الأحوال مِن خلالها، ولكن ذكِّرهم بضرورةِ المحافظة على غضِّ البصرِ والتزامِ الصيانةِ والعفافِ ما أمكن. والله تعالى أعلى وأعلم.

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   05 السياسية الشرعية, 07 الجهاد

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend