مسائل حول الجهاد مع الجيش الحُرِّ ضد النظام الطاغي في سوريا

شيخنا ووالدنا الحبيب.
كلمتك منذ مدة عن حاجة أهل سوريا للدعوة والدعاة والعلم والعلماء، وأرجو من فضيلتكم جوابًا عاجلًا بشيءٍ من التفصيل عن الأسئلة الآتية:
١- ما حكم استئذان الوالدين للمشاركة في القتال بالنسبة للشباب السوري؟
٢- ما حكم خروج الشباب القادرين على القتال من سوريا لطلب العلم في دولة أخرى؟
٣- ما حكم اغتنام أموال النصيريين المشاركين في القتال في صف النظام السوري؟ وما هي الطريقة المثلى في التعامل مع غير المقاتلين من نفس الطائفة؟
٤- ما حكم قتل الشبيحة الموالين للنظام من المحسوبين على السنة؟ وما حكم اغتنام أموالهم؟
٥- نريد جوابًا وافيًا عن كيفية التعامل مع النساء النصيريات، سواء المقاتلات، أو زوجات المقاتلين في صفوف النظام؟ نسأل الله لكم التوفيق والسداد دائمًا.

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فلا يخفى أن الجهاد في الأصل فرضٌ على الكفاية، فإذا قام به من تَحصُل بقيامه به الكفاية سقط الإثم عن الباقين. وإذا كان فرضًا على الكفاية، فيجب استئذان الوالدين قبل النفير إليه؛ لما جاء في ذلك من نصوص صحيحة وصريحة، ومنها ما جاء في الصحيحين عن عبد الله بن عمرو: أن رجلًا استأذن النبيَّ صلى الله عليه وسلم  في الجهاد فقال: «أَحَيٌّ وَالِدَاكَ؟». قال: نعم. قال: «فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ»(1). وما رواه الإمام أحمد وأبو داود وابن حبان: عن أبي سعيد: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم  ردَّ رجلًا هاجر من اليمن لوالديه قال له: «أَذِنَا لَكَ؟». قال: لا. قال: «ارْجِعْ إِلَيْهِمَا فَاسْتَأْذِنْهُمَا، فَإِنْ أَذِنَا لَكَ فَجَاهِدْ، وَإِلَّا فَبِرَّهُمَا»(2).
أما إذا تعيَّن الجهاد فإنه لا يستأذن فيه أحد من أحد. ومن صور الجهاد المتعين: دفع الصائل، كما لو دَهَم العدوُّ محلةَ قومٍ من المسلمين، فيتعين الجهاد في المقام الأول على أهل هذه المحلة. ولعل المشهد السوري مثال على ذلك، فتنفر إليه المرأة بغير إذن زوجها، والولد بغير إذن والديه، وهكذا.
ولكن الذي يقضي بتعين الجهاد هم أهل الحل والعقد من العلماء والخبراء في المحلة المعينة التي داهمها العدو، وإذا وضعوا لذلك ضوابط لابد أن تعتبر حتى لا يتشرذم أمر الجهاد فيأتي بنقيض ما قصد به.
أما نفير بعض الشباب لطلب العلم من منطقةٍ أخرى فإن الأصل فيه الوجوب الكفائي؛ لقول الله جل وعلا: ﴿وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ  ليَنفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾ [التوبة: 122].
ولكن إذا دهم العدو محلة قوم ينبغي أن يكون الأولوية لدفع الصائل، وأن يكون التنسيق في ذلك مع قادة الجهاد، ويسمع لهم في ذلك ويطاع، فهم أخبر بحاجات الجهاد وتوابعه، فإن استنفروا طائفة منه لطلب العلم تعين عليهم ذلك، وقد يرون أن الموقف لا يتحمل إخلاء الثغور بالنفير لطلب العلم، أو يرون تقاسم الأدوار وتوزيعها فيما بينهم إذا طال أمر الجهاد وتطاول ليل المحنة؛ ولذلك فهم أهل الولاية في ذلك، فينبغي ألا يفتات عليهم في ذلك، وعلى مَن وراءهم أن يسمع لهم في ذلك ويطيع.

أما حول اغتنام أموال المحاربين من غير المسلمين سواء أكانوا من النصيرين أم من غيرهم فإن الأمر في ذلك بيِّن: فهو كما قال ابن قدامة : في «المغني»: «ومتى ارتدَّ أهل بلد وجرت فيه أحكامهم، صاروا دار حرب في اغتنام أموالهم… إلخ»(3).
أما غير المقاتلين منهم سواء أكانوا من الذراري أم كانوا من المدنيين الذين لم يشتركوا في أعمال البغي والحرابة فهم على الإقرار أو الإنكار؛ فإن أنكروا ما فعله المحاربون وتبرءوا منهم فلا تزر وازرة وزر أخرى(4)، وإن ظاهروهم على بغيهم وشايعوهم على عدوانهم فهم منهم وحكمهم حكمهم.
ولا شك أن مصلحة الجهاد تقتضي تألف هؤلاء كسرًا لشوكة النظام، ومنعًا من اعتضاده بهم؛ فقد تكون مظاهرتهم للمعتدين المحاربين خوفًا من فتنهم، وفرارًا من بطشهم، فينبغي أن يبذل لهم الأمان، وأن يبلغهم أنهم إن اعتزلوا هذه الفتنة فلم يقاتلوا مع الطغاة ولم يظاهروهم على بغيهم وحرابتهم فهم آمنون على أنفسهم وأموالهم وأعراضهم، ولا شك أن استحياءهم بالتوبة أرضى لله عز وجل  وأقوم بالمصالح العامة من إهلاكهم على الردة.
أما الشبيحة الموالون للنظام من المحسوبين على السنة، فينطبق عليهم أحكام الصيال، فهم صائلون يدفعون بما يدفع به أمثالهم من الكلمة إلى السيف، فدماؤهم مهدرة عند المواجهة، أما إذا وقعوا في الأسر وانكسرت شوكتهم وزال خطرهم فإنهم يُحبسون إلى أن تزول الغُمَّة وتنجلي المحنة ويأمن أهل الحق جانبهم، ثم ينظر في إعادة تأهيلهم واستيعابهم في جماعة المسلمين بعد ذلك.
أما النساء النصيريات المقاتلات فحكمهن إذا قاتلن حكم الرجال، وينطبق عليهن عند الأسر الأحكام العامة التي تنطبق على أسرى الحرب، وما جاء في التعامل معهم من خيارات فقهية، ويختار قادة الجهاد منها ما يحقق مصالح الجهاد والمجاهدين.
وسنسوق هنا مقالة لابن القيم توضح هذه الأحكام على الجملة، ثم نفصل فيها بما يناسب الواقع الحالي:

قال ابن القيم في «زاد المعاد»: «ثبت عنه صلى الله عليه وسلم  في الأسرى أنه قتل بعضهم، ومنَّ على بعضهم، وفادى بعضهم بمال، وبعضهم بأسرى من المسلمين، واسترَقَّ بعضهم، ولكن المعروف أنه لم يسترقَّ رجلًا بالغًا، فقتل يوم بدر من الأسرى عقبة بن أبي معيط، والنضر بن الحارث، وقتل من يهود جماعة كثيرين من الأسرى، وفادى أسرى بدر بالمال بأربعة آلاف إلى أربعمائة، وفادى بعضهم على تعليم جماعة من المسلمين الكتابة، ومنَّ على أبي عزة الشاعر يوم بدر، وقال في أسارى بدر: «لَوْ كَانَ الـمُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ حَيًّا ثُمَّ كَلَّمَنِي فِي هَؤُلَاءِ النَّتْنَى لَأَطْلَقْتُهُمْ لَهُ»(5)، وفدى رجلين من المسلمين برجل من المشركين، وفدى رجالًا من المسلمين بامرأة من السبي استوهبها من سلمة بن الأكوع، ومنَّ على ثمامة بن أثال، وأطلق يوم فتح مكة جماعة من قريش، فكان يقال لهم الطُّلقاء. وهذه أحكام لم يُنسخ منها شيء، بل يخير الإمام فيها بحسب المصلحة.

قال ابن عباس رضي الله عنه : خير رسول الله صلى الله عليه وسلم  في الأسرى بين الفداء والمنِّ والقتل والاستعباد، يفعل ما شاء، وهذا هو الحق الذي لا قول سواه». انتهى قول ابن القيم(6).
هذا، ولابد من الملاحظة أن القتل في الأظهر ليس لمجرد الأسر، وإنما لسبب يقتضيه يلحق الأسير بمجرمي الحرب، وهذا ما يفسر جل الحوادث التي قضى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم  بقتل بعض الأسرى.
فأبو عزة الجمحي استحق القتل؛ لأنه عاهد ونقض العهد، وأسرى بني قريظة استحقوا القتل؛ لأنهم عاهدوا النبي صلى الله عليه وسلم  على القتال معه ضد كل عدو خارجي، فلما جاء المشركون وحاصروا المدينة في غزوة الأحزاب نقضوا عهدهم وظاهروا المحاربين على جماعة المسلمين، وقد كان هذا الغدر كفيلًا بالقضاء على الإسلام وإبادة خضراء المسلمين لولا رعاية الله وحفظه، وأسرى بدر الذين قتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهم عقبة بن أبي معيط والنضر بن الحارث وطعيمة بن عدي كانوا قد قاموا بإيذاء المسلمين وتعذيبهم وتعريضهم للموت.
كما لابد من الملاحظة أنه لا مصلحة في الاسترقاق في هذا العصر؛ لما يترتب عليه من المفاسد الدعوية الظاهرة، وكذلك لاتفاق العالم على إلغائه، وتحرير الرقيق أمر يحرص عليه الإسلام ويدعو إليه في الجملة، فضلًا عن كون الراجح عند أهل العلم أصلًا عدم استرقاق المرتدين.
أما زوجات المقاتلين من النصيريين ممن لم يقاتلن؛ فقد سبق أن المصلحة تقتضي استحياء هؤلاء بالتوبة، وتهيئة أسبابها لهن، فهن لم يقاتلن من ناحية، وكثير من النصيريين ليس لهم من النصيرية إلا الانتساب التاريخي فقط من ناحية أخرى، وهؤلاء يمثلون نسبة لا يستهان بها في المجتمع السوري، واستيعاب هؤلاء في إطار المواطنة، واستحياؤهن بالتوبة أرجى للخير، وأقوم بالمصالح من سوء المعاملة، وتوريث مشاعر الحقد والضغينة، وتصديرها للأجيال القادمة، وأهل السنة أعرف الناس بالحق، وأرحم الناس بالخلق.

يقول شيخ الإسلام عند قوله تعالى: ﴿احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ﴾ [الصافات: 22] بعد أن بيَّن بأن المراد بأزواجهم نظراؤهم وأشباههم وقرناؤهم وأتباعهم: «وليس المراد أنه يُحشر معهم زوجاتهم مطلقًا؛ فإن المرأة الصالحة قد يكون زوجها فاجرًا، بل كافرًا، كامرأة فرعون»(7).
بقيت مسألة أخرى نشير إليها على عجالة، وهي عمن أُسر من هؤلاء المحاربين، سواء أكان من الشبيحة أم من غيرهم، وثبت عليه تورُّطه في أعمال الحرابة وإزهاق الأرواح غير حقٍّ ثبوتًا قضائيًّا، فللقائمين على الجهاد التعامل معه بما يُحقِّق مصالحَ الجهاد والمجاهدين، ومن بين الخيارات قَتْلهم على الحرابة، اللهم إلا من تاب منهم قبل القدرة عليه، ولا تنفعه التوبة ولا نطقه بالشهادتين بعد أن سقط في الأسر في درء إقامة الحد عليه، والأمر في تقدير الخيار المناسب إلى قيادة الجهاد المعنية في الثغور.
وختامًا أرجو ألا تكون هذه الفتوى تطفلًا على أهل الفتوى في بلاد الشام أو افتياتًا عليهم، فالشام ولود، وعلماؤها الأجلاء هم أهل الذكر في هذا المشهد في المقام الأول، وما نحن إلا ردء لهم، وهم أولى بهذا المقام وأحق، ولولا أننا سئلنا ما تصدينا للجواب، ولعل في تصدي الأبعد ما يرفع الحرج عن الأقرب المباشر للمحنة، والواقع تحت مطارقها، وتناله سيوف طغاتها.
نسأل الله العصمة من الزلل في القول والعمل، والله من وراء القصد. والله تعالى أعلى وأعلم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب «الجهاد والسير» باب «الجهاد بإذن الأبوين» حديث (3004)، ومسلم في كتاب «البر والصلة والآداب» باب «بر الوالدين وأنهما أحق به» حديث (2549).

(2) أخرجه أحمد في «مسنده» (3/75) حديث (11739)، وأبو داود في كتاب «الجهاد» باب «في الرجل يغزو وأبواه كارهان» حديث (2530)، والحاكم في «مستدركه» (2/114) حديث (2501)، وقال: «هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه بهذه السياقة إنما اتفقا على حديث عبد الله بن عمرو ففيهما فجاهد».

(3) «المغني» (9/17-18).

(4) قال تعالى: ﴿مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا ولَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا﴾ [الإسراء: 15].

(5) أخرجه البخاري في كتاب «المغازي» باب «شهود الملائكة بدرًا» حديث (4024) من حديث جبير بن مطعم رضي الله عنه .

(6) «زاد المعاد» (5/66).

(7) «مجموع الفتاوى» (7/64).

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   05 السياسية الشرعية, 07 الجهاد

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend