الشهادة في حق جندي قُتل وهو يحرس الحدود

توفي جندي من حرس الحدود المصري على الحدود بين مصر والسودان أثناء مواجهة مع مسلحين متسللين من السودان، وحين تمَّ نقلُ جثمان الجندي طالب أحد مشايخ بتغسيله بحُجَّة أنه ليس شهيدًا، وأن الشهيد هو من يُقتل في الحرب وأن الحدود بين الدول الإسلامية لم تكن موجودة من قبل وإنما صنعها الاستعمارُ، وبالتالي لا تُعتبر حراسةُ الحدود جهادًا في سبيل الله، وبالتالي لا يُعتبر هذا الجندي شهيدًا ولا يجب دفنه دون تغسيلِه.

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فلا أعرف حدودًا تُحرس بين مصر والسودان إلا من المهربين والخارجين على القانون، وإلا فإن السودانيين لا يُمنعون من دخول مصر، وأظن أنه لا تلزمهم تأشيرة، فلماذا يلجأُ هؤلاء إلى التسلل؟ اللهم إلا لإخفاء جرائمَ تُعاقب عليها الشريعة كما يُعاقب عليها القانون.
ومنع أمثال هؤلاء من جُملة الجهادِ المشروع، كمن يُطاردون تجارَ المخدرات ورجال العصابات وأمثالهم، وهؤلاء يُطارَدُون سواء تسلَّلوا من السودان أو من أي بلد آخر، والأمر في تغسيلهم أو عدمه واسع، ويمكن أن يكون موضعُ نظر، لعدم التيقُّن من تحقيق المناط.
وإلا فقد اتفق جمهور أهل العلم(1) على أن شهيدَ المعركة إذا مات في موضعه فإنه لا يُغسَّل ولا يكفَّن؛ لحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه  أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم  أمر بدفن شهداء أحد في دمائهم ولم يُغسلهم(2).
وقد تُرِكَ غسلُ الشهيد لما يتضمنه الغسل من إزالة أثرِ العبادة المستحسنة شرعًا، ففي الحديث المتفق عليه قوله صلى الله عليه وسلم : «لَا يُكْلَمُ أَحَدٌ في سَبِيلِ الله- واللهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُكْلَمُ في سَبِيلِهِ- إلا جاء يوم الْقِيَامَةِ وَجُرْحُهُ يَثْعَبُ؛ اللَّوْنُ لَوْنُ دَمٍ وَالرِّيحُ رِيحُ مِسْكٍ»(3).
ولا ينبغي أن يؤدِّي الخلاف في مثل ذلك إلى إيغار الصدور وإثارة الفتن والوَحشة بين الناس. ونسأل الله أن يُلهِمَنا الرشدَ، وأن يجنِّبَنا الزَّيغَ والزَّلل في القول والعمل. والله تعالى أعلى وأعلم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) جاء في «المبسوط» من كتب الحنفية (2/49-50): «(قال): وإذا قُتل الشهيد في معركةٍ لم يُغسل وصلِّي عليه عندنا».
وجاء في «المنتقى» من كتب المالكية (3/210-211): «مالك أنه بلغه عن أهل العلم أنهم كانوا يقولون: الشهداء في سبيل الله لا يُغسَّلون ولا يصلَّى على جنائزهم وأنهم يدفنون في الثياب التي قتلوا فيها. قال مالك: وتلك السنة فيمن قُتل في المعترك فلم يدرك حتى مات».
وجاء في «المجموع» من كتب الشافعية (5/218-221): «قال المصنف رحمه الله تعالى: (ومن مات من المسلمين في جهاد الكفارِ بسبب من أسباب قتالهم قبل انقضاء الحرب فهو شهيد لا يغسل ولا يصلى عليه».
وجاء في «المغني» من كتب الحنابلة (2/393-395): «مسألة؛ قال: (والشهيد إذا مات في موضعه لم يغسل، ولم يصل عليه)».
(2) أخرجه البخاري في كتاب «الجنائز» باب «الصلاة على الشهيد» حديث (1343)، من حديث جابر بن عبد الله ب.
(3) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب «الجهاد والسير» باب «من يجرح في سبيل الله عز وجل » حديث (2803)، ومسلم في كتاب «الإمارة» باب «فضل الجهاد والخروج في سبيل الله» حديث (1876)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   05 السياسية الشرعية, 07 الجهاد

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend