ميراث الأب من ابنته

هل يرث الأب ابنتَه المتوفاة؟

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فإن الأبَ الحقيقيَّ للميت والذي تربطه به رابطةُ ولادة مباشرةٍ لا يُحجب عن ميراث ولده بحالٍ من الأحوال؛ لعدم توسُّطِ أيِّ شخصٍ آخر بينه وبين المورث، وللأب في ميراث ابنِه صورٌ ثلاثة:
الصُّورة الأوَّلى: السُّدُس فرضًا: وذلك إذا وُجد الفرع الوارث الـمُذكَّر، سواءٌ كان ابنًا صلبيًّا أو ابن ابن؛ لأن هذا الفرعَ الوارث المذكر ينقل الأبَ من الميراث بالتَّعْصيب إلى الميراث بالفرض فقط.
مثال: ماتت الميتة وتركت زوجًا وابنًا وأبًا، للزَّوْجِ الرُّبع لوجود الفرع الوارث المذكر، وللأب السُّدُس فرضًا لوجود الفرع الوارث المذكر، وللابن الباقي تعصيبًا لأنه عاصبٌ بالنَّفس.
الصُّورة الثَّانية: التَّعْصيب فقط: وذلك حين انعدام الفرع الوارث مطلقًا، ذَكَرًا كان أو أُنثى، مباشرًا أو غيرَ مباشرٍ، وُجد معه أصحابُ فروضٍ آخرون أو لم يوجد.
مثال: مات الميت وترك زوجةً وأبًا، للزَّوْجة الرُّبع لانعدام الفرع الوارث مطلقًا، وللأب الباقي تعصيبًا لانعدام الفرع الوارث مطلقًا.
الصُّورة الثَّالثة: السُّدُس فرضًا زائد الباقي تعصيبًا. وذلك عند وجود الفرع الوارث المؤنَّث مباشرًا أو غير مباشر، شريطةَ انعدام الفرع المذكر مطلقًا.
مثال: مات الميت وترك زوجةً وبنتين وأبًا، للزَّوْجة الثُّمُن لوجود الفرع الوارث المؤنث، وللبنتين الثُّلُثان لتعدُّدهما وانعدام المعصب لهما، وللأب السُّدُس فرضًا زائد الباقي تعصيبًا لوجوده مع الفرع الوارث المؤنث فقط.
الدَّليل على ميراث الأب قولُه تعالى: ﴿وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ﴾ [النساء: 11] والمقصود بالولد في هذه الآية هو الذَّكَر دون الأنثى؛ حيث إن الفرع المذكر فقط هو الذي ينقله من التَّعْصيب إلى السُّدُس فقط.
كما أجمع الفقهاء أيضًا على أن ميراثَ الأب إذا انفرد هو جميع التَّرِكة أو الباقي بعد أصحاب الفروض إن وُجدوا؛ وذلك لقوله تعالى: ﴿وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ﴾ [النساء: 11] حيث بيَّنتِ الآيةُ نصيبَ الأم وأطلقت نصيبَ الأب، فدلَّت على أنه يكون تعصيبًا.
أما دليل ميراثه بالفرض مع التَّعْصيب فالبداهة والمعقول يقتضي ذلك؛ لأن نصيبَ الأب حين وجود الفرع الوارث المذكر لا يقلُّ عن السُّدُس، فالأولى ألا يقلَّ عنه عند وجود الفرع الوارث المؤنث، هذا من ناحيةٍ، ومن ناحيةٍ ثانية قد يبقى شيءٌ من التَّرِكة بعد أَخْذِ أصحابِ الفروض فروضَهم، وما دام الأبُ من العَصَبة يأتي في الجهة الثَّانية بعد جهة البنوَّة- كان مُقدَّمًا على غيره في أَخْذ المال الباقي، وذلك استنادًا أيضًا إلى قوله ﷺ: «أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا، فَمَا بَقِيَ فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ»(1)، والأولى في هذه الحالة عند فَقْد الابن أو ابن الابن هو الأب. واللهُ تعالى أعلى وأعلم.

______________

(1) متفق عليه أخرجه البخاري في كتاب «الفرائض» باب «ميراث الولد من أبيه وأمه» حديث (6732)، ومسلم في كتاب «الفرائض» باب «ألحقوا الفرائض بأهلها» حديث (1615)، من حديث ابن عباس رضي الله عنه.

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   03 الوصايا والفرائض

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend