حول العدل بين الأولاد في النفقات الواجبة والهبات والعطايا المطلقة

حول العدل بين الأولاد في النفقات الواجبة والهبات والعطايا المطلقة

السؤال:

شيخنا الفاضل لدي مجموعة من الأسئلة؛ تتمحور حول العدل بين الأولاد في النفقات وحول فهم روايتي الحديث التالي

وتطبيقه على الواقع المعاصر بين الأبناء في الأسرة.

1- أعطاني أبي عطيَّةً، فقالت عَمْرة بنتُ رَوَاحة: لا أرضى حتى تُشهِدَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم.

فأتى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني أَعطيتُ ابني مِن عَمْرة بنتِ رَوَاحة عطيةً،

فأمرتني أن أُشهِدك يا رسول الله. قال: «أَعْطَيْتَ سَائِرَ وَلَدِكَ مِثْلَ هَذَا؟». قال: لا. قال:

«فَاتَّقُوا اللهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ». قال: فرجع فردَّ عطيته.

2- حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما: أن أمه بنت رواحة سألت أباه بعض المَوْهِبة من ماله لابنِها،

فالتوى بها سنة، ثم بدا له، فقالت: لا أرضى حتى تُشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما وَهَبْتَ لابني.

فأخذ أبي بيدي وأنا غلام، فأتى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله،

إن أم هذا بنت رواحة أعجبها أن أُشهِدك على الذي وهبت لابنها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

«يَا بَشِيرُ، أَلَكَ وَلَدٌ سِوَى هَذَا؟». قال: نعم. فقال: «أَكُلَّهُمْ وَهَبْتَ لَهُ مِثْلَ هَذَا؟». قال: لا. قال:

«فَلَا تُشْهِدْنِي إِذًا؛ فَإِنِّي لَا أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ»( ).

حالة الأسرة:

الأسرة تتكون من الأب والأم، وثلاثة أولاد (ابن وبنتين) ميسورين الحال؛ حيث منذ تخرج الابن من الجامعة

وهو يعمل في دولة من دول الخليج، وقام بتجهيز نفسه وتحمل مصاريف الزواج كاملةً من ماله،

والبنتان تعملان بوظائف عادية داخل البلد؛ حيث تزوجت إحدى البنتين وقام والدها بتجهيزها من مال الوالد الخاص،

والبنت الأخرى لم تتزوج حتى الآن.

الأسئلة:

1-لدى الوالد عمارة بها 6 شقق، يقوم بتأجيرها، غير الشقة التي يسكن بها في نفس البيت،

وعندما أتى الابن ليتزوج أعطاه شقةً ليتزوج بها بعد انتهاء عقد المستأجر الذي كان بها، ولم يأخذ منه إيجارًا،

وبعدها بسنوات جاءت بنته الأولى لتتزوج وأيضًا أعطاها شقة وأخذ إيجارًا رمزيًّا من زوجها ليس هو الإيجار الحقيقي للشقة،

والبنت الأخرى لم تتزوج حتى الآن، ولم يقم الوالد بإعطاء البنت التي لم تتزوج أيَّ مقابل.

فهل يجب على الوالد من تاريخ زواج الابن أن يُعطي كلَّ بنت قيمةَ إيجار شقةٍ؛ لأن شُققهم كانت مُؤجَّرةً في هذا الحين

– كما أعطى الابن شقةً ولم يأخذ إيجارها؟

مع العلم أن قيمة هذه الإيجارات يدخرها الوالدُ ولا تلزمه للنفقةِ؛ حيث إن له معاشًا شهريًّا.

2- وهل العطية في الحياة يتساوى فيها الابنُ والبنت أم يكون الابن ضعف البنت؟ يعني الابن يأخذ إيجار شقتين

والبنت تأخذ إيجار شقة واحدة. كيف يكون العدل وتطبيق الحديث في ذلك؟

3- هل يلزم على الوالد تحمُّل نفقات تجهيزِ الابن كما جهز البنت؟ مع العلم أن الابن يعمل بالخارج براتب كبير

والبنت تعمل بالداخل براتب صغير. كيف يكون العدل في ذلك؟

4- هل الذهب والمجوهرات الخاصة بالأم تُقسَّم على البنات فقط أم تُقسَّم تقسيمًا شرعيًّا للابن ضعف البنت؟

5- هل يجوز للأم شراء شقة من مالها باسم بنت من البنات بمبلغ 140 ألف جنيه، وتقوم هذه البنت بتسديد المبلغ

على 10 سنوات؛ سواء من مقابل تأجير هذه الشقة أو من راتب هذه البنت، دون أن تقوم الأم بذلك مع باقي أولادها؟

مع العلم أن المبلغ الذي مع الأم لا يكفي لعمل ذلك مع باقي الأولاد، وقامت الأم بذلك مع البنت التي لم تتزوج للتعويض

النفسي للبنت؛ لأنها لم تتزوج حتى الآن لتُدخِل على نفسها السرور.

6- هل يمكن للأب والأم كتابةُ الأملاك باسم أولادهم تقسيمًا شرعيًّا لضمان عدم النزاع مستقبلًا،

وتوفير وقت ذهابهم لإجراءات التقسيم الشرعي في المحاكم، أم الأفضل تركُ التقسيم لبعد الوفاة؟

وكيف يمكن للوالدين حالَ الحياة تقسيمُ البيت وتوزيع شققه على الأولاد دون ظُلم أحد الأولاد؟

أقصد أنه في حال أن اثنين من الأولاد يريدون نفس الشقة- مثلًا- لأنها في الدور الأرضي،

فهي غير مجهدة في الصعود والنزول، أو مميزة بعض الشيء.

7- ماذا يجب على الوالد تجاه البنت التي لم تتزوج؟ هل يجب أن يترك لها قيمة جهازها أسوة بأختها التي قام بتجهيزها،

سواء تزوجت بعد فترة أو تأخر الزواج فترةً كبيرةً؟ وكيف يتركه لها؟ بقيمة الحاضر أم بنفس قيمة زواج أختها؟

لأن الأسعار في ازدياد كل عام.

8- قام الابن بشراء قطعة أرض من ماله الخاص نظرًا لعمله بالخارج، وأرادت الأم أن تستثمر للبنتين مثلما يفعل أخوهم

فاشترت لهم قطعة أرض مماثلة من مال الأم الخاص مناصفةً فيما بين البنتين، على أن تسترد قيمتها من البنات من رواتبهم

بالتقسيط على 8 سنوات، فهل هذا ظلمٌ للابن أم لا شيء فيه؟

9- كيف يمكن فهمُ الحديث بشكل عامٍّ لتطبيقه في جميع مناحي الحياة على الأولاد بدون وقوع ظلم على أحدهم؟

الجواب

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:

فإن الأصل هو العدل بين الأولاد في العطية؛ لحديث: «اتَّقُوا اللهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ»( ).

واختُلف في معيار العدل؛ هل يكون على قواعد الميراث للذكر مثل حظ الأنثيين؟ أم أنه يكون بينهم بالسوية؟

والجمهور على كونه بالسوية، واختار الحنابلة أن يجري ذلك على قواعد الميراث، اقتداءً بقسمة الله تعالى،

وقياسًا لحال الحياة على حال الموت، فإن الله تعالى قد فاضل بينهما في الميراث، وهو تعالى أعلم بمصالح عباده.

ويفرق بين النفقة الواجبة والهبات والعطايا المطلقة، فالنفقة تكون بحسب الحاجَة، فحاجة الكبير ليست

كحاجة الرضيع أو الصغير، وقد يحتاج الذكرُ ما لا تحتاجُه الأنثى.

أما الهبات والعطايا المطلقة فهي التي يجب فيها العدلُ والتسوية، ومن النفقات الإعانةُ على أمر الزواج،

فيُعان المحتاج إلى إعانة ولا يلزم إعانة من كان غنيًّا ومكتفيًا ولا يحتاج إلى ذلك، فإذا أعان فقيرًا من أولاده في زواجه

فلا يلزمه إعانةُ بقية أولاده الذي استغنوا بمالهم عن هذه الإعانة. والله تعالى أعلى وأعلم.

 

يمكنكم الإطلاع على المزيد من فتاوى الوصايا والفرائض الخاصة بفضيلة الشيخ الدكتور صلاح الصاوي 

كما ويمكنكم متابعة كافة الدروس والمحاضرات والبرامج الخاصة بفضيلة الشيخ الدكتور صلاح الصاوي

تاريخ النشر : 10 يناير, 2023
التصنيفات الموضوعية:   03 الوصايا والفرائض

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend