ما حكم الصلاة خلفَ إمامٍ لا يمكِّن قدميه من الأرض عند السجود في بعضِ الركعات؟ وهل يؤمَر بإعادةِ الصلاة هو ومَن عَلِمَ من المأمومين بذلك؟ وما الضابط في هذه المسألة؛ لأنها تحدُث كثيرًا؟ فهل تعاد الصلاة أم ماذا؟ أفادكم الله.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فقد اتفق أهل العلم على أن السجود لا يكون إلا على سبعةِ أعضاء، واختلفوا في بطلان صلاة مَن لا يسجد على شيء من تلك الأعضاء؛ لأن وجوبَ الشيء لا يَستلزِم بالضرورةِ بطلانَ العملِ بتركه، بل يقتضي التأثيمَ في جميع الأحوال، ولكنه قد يقتضي البطلانَ إذا قام الدليلُ على ذلك، وقد لا يقتضيه، فالصلاة بعد انعقادها والدخول بها لا تفسد- كما يقول الشوكاني- إلا بمفسِدٍ قد دل الشرعُ على أنه مفسدٌ، كانتقاض الوضوءِ ومكالمة الناس عمدًا، أو ترك ركنٍ من أركانِها الثابتة بالضرورة الشرعيةِ عمدًا. فمن زعم أنه يفسدها إذا فعل المصلي كذا فهذا مجرد دعوى، إن رَبَطَها المدَّعِي بدليلها نظرنا في الدليل: فإن أفاد فسادَ الصلاة بذلك الفعلِ أو التركِ فذاك، وإن جاء بدليلٍ يدل على وجوبِ ترك الفعلِ فمَن أخلَّ بواجبٍ عليه لَزِمَه إثمُ مَن تَرَكَ واجبًا.
فإن قلتَ: هل يمكن الإتيانُ بضابطٍ يُعرَف به ما لا يُفسِد الصلاةَ وما لا يُفسِدُها من الأفعال؟ قلت: لا. بل الواجب علينا الوقوفُ موقفَ المنعِ حتى يأتي الدليلُ الدالُّ على الفساد.
وبناءً على هذه القاعدة: فإن مجرد الأمر بالسجود على السبعة أعضاء لا يفيد بطلان الصلاة بتخلف عضوٍ من هذه الأعضاء أو أكثر، إلا لو ورد دليلٌ خاصٌّ يدل على هذا البطلان.
وقد اختلف أهل العلم في الحد الأدنى الذي يتحقق به السجود: فمنهم من قال: إنه الجبهة فقط، ومنهم من قال: إنه الأنف فقط، ومنهم من قال: إنه الجبهة والأنف، ومنهم من قال: لابد من السجود على السبعة أعضاء.
والذي يظهر: أنه إذا سجد المصلِّي على أعضاءِ سجوده السبعةِ واطمأنَّ ساجدًا ثم رفع قدميه بعد ذلك فلم يُمَكِّنها من السجود فإن هذا لا يَضُرُّ صلاته من حيث الصحة والفساد، ولكن ينقص أجره، وينبغي أن يُنَبَّه على ذلك، وأن يَعلَم أن لكل عضو من أعضاء سجودِه حقًّا في السجود؛ فلا يجوز له الإخلالُ بهذا الحق. والله تعالى أعلى وأعلم.
