موقف الإسلام من مصطلحات الوطنية والمواطنة

ما حكم تبني ما يروجه بعض المثقفين العلمانيين والليبراليين في بلاد الحرمين لثقافة «الوطنية والمواطنة»؟ مع العلم أنه خلال بحثي لتأريخ المفهومين وجدتهما من أصول غير عربية وإسلامية، بل من الغرب، ومنبثقًا بالخصوص من الفلسفة اليونانية مع بعض التطورات الجوهرية لتطور الزمن. ولا يخفى عليكم أن العلمانية والليبرالية معروفتان بتصادمهما في بعض الأمور مع الإسلام، وكانت وظيفة هذين المفهومين هي إنشاء وتعميق الديمقراطية مفهومًا وممارسة في عقول وأنفس الشعوب. وجزاكم الله خير الجزاء.

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
إن قصد بالوطنية إثارة النعرات الجاهلية، وعقد الولاء والبراء على أساس الانتماء إلى أرض بعينها، فذلك من مواريث الجاهلية التي يسخطها الله ورسوله. وإن قصد بها ذلك النزوع الفطري إلى مرابع الصبا والشباب، فذلك أمر جِبِلي لا حرج فيه ولا تثريب على أهله.
أما العلمانية فيُراد بها الفصل بين الدين والدولة، بل إن شئت الدقة فقل: الفصل بين الدين والحياة، ولقد كانت تتويجًا لنضال الشعوب في أوروبا ضد الطغيان الكنسي، ومنازعة القوم هناك لم تكن مع دين صحيح تنزل من عند الله، بل كانت مع ما كتبه الأحبار والرهبان بأيديهم ونسبوه زورًا إلى الله! وهذه الدعوة لا صلة لها بتاريخنا، ولا تجتمع مع أصل ديننا بحال من الأحوال.
وأما اللبيرالية فمعناها اللغوي التحرر، ولكنها تعني في ثقافة المنشأ نزع القداسة، والتحرر من المواريث الدينية، وخلع ربقة العبودية، ويراد بها عند تصديرها إلى مجتمعاتنا الانقلاب على الإسلام، ورد مرجعية الشريعة في علاقة الدين بالدولة، ولكنها تتوارى خلف هذا التعبير الخادع الذي يعشقه الناس جميعًا، والذي جاء به الإسلام في أحسن صورة وفي أكمل نظام، ولا تزال ذاكرة الأيام والليالي تختزن كلمة عمر بن الخطاب لواليه عمرو بن العاص: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا؟!(1)
إن التحرر الحقيقي هو التحرر من عبودية الهوى والنفس الأمارة بالسوء «تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ وَعَبْدُ الْـخَمِيصَةِ(2)؛ إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ وَإِنْ لَـمْ يُعْطَ سَخِطَ، تَعِسَ وَانْتَكَسَ وَإِذَا شِيكَ فَلَا انْتَقَشَ»(3).
إنها كالنهر الذي يتدفق بين شطين: أحدهما يمثل حدود الله عز وجل  والآخر يمثل أعراف المجمتع المسلم ونتظيماته، وهي نهر يتدفق بينهما، فإن طغى ماؤه من هذا الجانب أو ذاك كان الفساد والزلل! والله تعالى أعلى وأعلم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ذكره المتقي الهندي في «كنز العمال» (12/294) حديث (36010).

(2) الخميصة: كساء مربع له علمان. «فتح الباري» (1/483).

(3) أخرجه البخاري في كتاب «الجهاد والسير» باب «الحراسة في الغزو في سبيل الله» حديث (2887) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   10 متفرقات في العقيدة.

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend