مخالطة أصحاب المعاصي وقت ارتكابها لصعوبة التحرز عن مجانبتهم

الإعراض عن العاصي ومفارقته حال اقترافه للمعصية واجب أيًّا كانت صغيرة أو كبيرة، هذا الأصل العام، لكن هنالك حالات مخصوصة بسبب الحرج والمشقة، مثال ذلك: معاشرة من له حق واجب في الصلة والعشرة بالمعروف مثل الزوجة الكتابية والوالدين المشركين، فإن الذي يُعاشرهم سيجد صعوبةً ومشقة لو فارقهم في حال وقوعهم في أيِّ منكر. فلذلك الذي أراه أنه تجب مفارقتهم حال وقوعهم في المعاصي الكبيرة والمكفرة والصغائر المتعدية، وما سواه فلا، والله أعلم؛ وذلك لأن عدم الجلوس في مجلس فيه معصية لا أعلم له دليلًا صريحًا، وقوله تعالى: ﴿وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ﴾ [النساء: 140]، وقوله: ﴿وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ﴾ الآية [الأنعام: 68]، وقول المصطفى عليه الصلاة والسلام: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِالله وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، فَلَا يَجْلِسُ عَلَى مَائِدَةٍ يُدَارُ عَلَيْهَا الْـخَمْرُ»(1) لا يدل على مفارقة المنكر أيًّا كان، فهناك من المنكرات ما هو من الصغائر ويَعسُر التحرُّز منها. وقد جعل اللهُ لكل شيء قدرًا، وإلحاق مجالس الغيبة وغيرها بالآيات السالفة الذكر لا أعلم وجه الاستدلال فيه، فإن كان قياسَ موافقةٍ مساوٍ أو أولى، فمن الظلم إلحاق شهود مجالس الكفر بآيات الله والاستهزاء بها أو الجلوس على مائدةٍ يُدار عليها خمرٌ بشهود مجلس الغِيبة ولو كان هذا الإلحاق في التأثيم فقط دون مرتبته. ولأن هذه المسألة ليست من النوازل، فإعراض الشارع عن النص على تحريمها قد يكون لعدم إحراج المسلمين؛ أو لما يترتب على ذلك من قطيعة وعدم القدرة على صلة الأرحام بضوابطَ أشبه ما تكون بتعجيزية، ويغتفر في التوابع ما لا يُغتفر في غيرها، ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا﴾ [مريم: 64]. قد يقول قائل: إن الله تعالى قال في وصف المؤمنين: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ﴾ [المؤمنون: 3]، الآية لا تدلُّ على الإعراض مطلقًا من جميع الذنوب، إنما المراد الإعراض عن الشرك، وقيل: الإعراض عن مقابلة الكفار والمشركين بالسب والشتم، وعلى كلِّ حال الآية قد تكون خرجت مخرج الغالب والله أعلم. هل مذهبي صحيح؟

 

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد: فأرجو أن يكون لك في مخالطة من تبنيت الترخُّص في مخالطتهم نية صالحة، من تألف قلوبهم على الخير وتحبيب الصلاح والتدين وأهله إلى قلوبهم، والتدرج في دعوتهم إلى الخير، مع بقاء الإنكار بالقلب على ما يُباشرونه من الشرِّ قلَّ أو كَثُر، وأرجو أن يكون لمذهبك حظٌّ من النظر. والله تعالى أعلى وأعلم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أخرجه أحمد في «مسنده» (3/ 339) حديث (14692)، والترمذي في كتاب «الأدب» باب «ما جاء في دخول الحمام» حديث (2801)، والدارمي في كتاب «الأشربة» باب «في النهي عن القعود على مائدة يدار عليها الخمر» حديث (2092)، والحاكم في «مستدركه» (4/ 320) حديث (7779)، من حديث جابر بن عبد الله ب، وقال الترمذي: «حديث حسن»، وقال الحاكم: «صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه».

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   10 متفرقات في العقيدة.

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend