ذكر الشيخ الفوزان في شرحه على ثلاثة الأصول أن محبة الكافر تتنافى مع الإيمان بالله واليوم الآخر كما في قول الله:﴿لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [المجادلة: 22]، وذكر الشيخ أن محبتهم تتنافى مع أصل الإيمان أو كماله. فإذا كانت معها تأييد لمذهبهم وكفرهم فهذا كفر، وإن كانت مجرد محبَّة من غير مناصرة فهذا فسق منقص للإيمان.
والسؤال هنا: ألا يوجد نوع آخر وهو محبة ما فيهم من جميل الصفات أو الأمور المباحة التي يُحبها المرء وهي فيهم؟
مثال يا شيخ: رجل يُحب لعب اللاعب الكافر أو طريقة صنع الكافر لشيء ما، أو كونه أمينًا. ووجدتني ربما أستدل على ذلك بقول الله: ﴿وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ ﴾ [آل عمران: 75]. والله تعالى إذا امتدح صفةً فهو يُحبها.
فهل هذا فهم في مسألة الولاء والبراء صحيح؟ وإذا كان كذلك فهل هذا النوع من المحبة لا يُعد مُنقصًا للإيمان ولا فسقًا؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فقد بحث مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا جدليَّة العلاقة بين الولاء الديني والانتماء القومي، في جملة ما بحثه من نوازل الناشئة خارج ديار الإسلام، وذلك في دورة انعقاد مؤتمره السادس بكندا، وانتهي فيها إلى هذا القرار الذي أسوقه لك بنصِّه، ومنه يُعلَم الجوابُ:
• الولاء الديني يقتضي محبةَ أهل الدين، ونصرتهم فيه، والبراءة ممن يعادونهم فيه، وعدم مشايعتهم على ذلك بقول أو عمل، وهذا القدر مشترك ديني وبشري عام، تكاد تتفق عليه الملل والنحل جميعًا.
• محبة أهل الدين محبة دينية لا تنفي ما تُنشئه القرابة والصلات الاجتماعية والمصالح البشرية من مودَّة ومحبة جِبليَّة، ما لم يتضمن مشايعة على باطل، أو انتقاصًا من حق؛ فقد قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم في شأن أبي طالب: ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ [القصص: 56].
• المناصرة بين أهل الملة لا تنفي ما تُنشئه الأحلاف والمواثيق المشروعة بين بني البشر عامة من نُصرة المظلوم، وإغاثة الملهوف، وإن كان من غير المسلمين، والضرب على يدِ الظالم ومنعه من الظلم، وإن كان من المسلمين؛ لعموم مبدأ التعاون على البر والتقوى وعدم التعاون على الإثم والعدوان.
• الأصل في كلمة الأخوة عند إطلاقها أن تنصرف إلى أخوة الدين، ولكن أخوة الدين لا تنفي ما عداها من أخوة النَّسب أو أخوة القبائل والعشائر، أو الأوطان، ولا تتنكر لما ينشأ عنها من حقوقٍ وتبعات، ما لم تُفض إلى إبطال حقٍّ أو إحقاق باطل، فللأخوة دوائر متداخلة وليست متقاطعة، وعلى قمتها أخوة الدين، ولكل مستوى منها حقوق وعليه واجبات أقرها الإسلام.
• الانتماء الوطني أو القومي مشروع، ما لم يتحوَّل إلى معقد من معاقد الولاء والبراء، والفخر بالألوان والأجناس، واتخاذه ذريعةً إلى الطعن في الآخرين حمية جاهلية، وقد جعل الله عباده شعوبًا وقبائل ليتعارفوا(1)، لا ليبغي بعضهم على بعض، ولا ليفخر بعضهم على بعض. وأكرم الناس عند الله أتقاهم. والله تعالى أعلى وأعلم.
____________________
(1) قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ [الحجرات: 13].