نود استشارة فضيلتكم عن الطريقة الـمُثْلَى للتوضيح للعوام الخطأَ من عقائد الأشاعرة والماتريدية، مع العلم بوجود تبعية كبيرة لهذين المذهبين في بعض البلاد العربية والباكستان والهند (الديوبنديين) من هؤلاء العوام؟ أفيدونا أكرمكم الله.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فأبدأ بكلمة لسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز: جوابًا عن قول الشيخ الصابوني حفظه الله: إن التأويل لبعض الصفات لا يُخرج المسلم عن جماعة أهل السنة. قال: الأشاعرة وأشباههم لا يدخلون في أهل السنة في إثبات الصفات؛ لكونهم قد خالفوهم في ذلك وسلكوا غير منهجهم، وذلك يقتضي الإنكار عليهم وبيان خطئهم في التأويل، وأن ذلك خلافُ منهج الجماعة. كما أنه لا مانع أن يقال: إن الأشاعرة ليسوا من أهل السنة في باب الأسماء والصفات، وإن كانوا منهم في الأبواب الأخرى؛ حتى يعلم الناظر في مذهبهم أنهم قد أخطئوا في تأويل بعض الصفات، وخالفوا أصحاب النبي ﷺ وأتباعهم بإحسان في هذه المسألة، تحقيقًا للحق وإنكارًا للباطل وإنزالًا لكل من أهل السنة والأشاعرة في منزلته التي هو عليها. «تنبيهات هامة على ما كتبه الصابوني» ص37- 38.
وتتميمًا للفائدة أقول: إن الإجمال الذي في كلام الشيخ يُحمَل على أنه أراد أن يبين أن أبرز ما خالف فيه الأشاعرة أهل السنة هو باب الأسماء والصفات، وإن كانت هناك مُباينات في أصول أخرى، أذكر منها على سبيل المثال: تقديمهم العقل على النقل، ومذهب السلف هو درء التعارض ابتداءً، وقصرهم مباحث التوحيد على نفي التثنية أو التعدد، ونفي التبعيض والتركيب والتجزئة، وعدم العناية بما وراء ذلك، كتوحيد العبادة وهو المقصود الأصلي من بعثة الرسل، وقولهم بالكسب في باب القدر ومآله إلى القول بالجبر نهاية المطاف، إلى غير ذلك من المسائل التي خالفوا فيها جماهير أهل السنة. ويبقى أنهم أقرب الطوائف إلى الحق إذا ما ذكرت الفرق الأخرى المخالفة للسنة.
كما أنه أراد أن يبين: أنهم موافقون لأهل السنة في أصولٍ كثيرة، ولعل هذا هو الذي أدَّى ببعض المتكلمين في هذا الأمر إلى إطلاق القول بأنهم من أهل السنة، والحق هو هذا التفصيل الذي ذكره الشيخ.
أما الديوبندية فهم طائفة من طوائف أهل القبلة، تنسب إلى جامعة ديوبند دار العلوم في الهند، وهي مدرسة فكرية عميقة الجذور، طبعت كل من تخرَّج فيها بطابعها العلمي الخاص، حتى أصبح ينسب إليها، وهم ماتريدية في باب العقائد، وأحناف في باب الفقه، وعليهم مسحة تصوف في باب السلوك والاتباع.
وقد كانت بداية تأسيسها بعد أن قضى الإنكليز على الثورة الإسلامية في الهند عام 1857م، فاستهدفت دعوة الديوبندية وقف الزحف الغربي ومدنيته المادية على شبه القارة الهندية؛ لإنقاذ المسلمين من مخاطر هذه الفتن.
ومن مقاصد دعوتهم التي تحملها إصداراتهم ما يلي:
المحافظة على التعاليم الإسلامية، والإبقاء على شوكة الإسلام وشعائره.
نشر الإسلام ومقاومة المذاهب الهدَّامة والتبشيرية.
نشر الثقافة الإسلامية، ومحاربة الثقافة الإنكليزية الغازية.
الاهتمام بنشر اللغة العربية؛ لأنها وسيلة الاستفادة من منابع الشريعة الإسلامية.
ولما كانوا ماتريدية في باب العقائد، فكل نقد وجهه أهل العلم إلى الماتريدية فهو مُوجَّه إليهم لا محالة، والماتريدية فرقة كلامية من فرق أهل القبلة، تُنسب إلى أبي منصور الماتريدي، قامت على استخدام البراهين العقلية والكلامية في محاججة خصومها، من المعتزلة والجهمية وغيرهم؛ لإثبات قضايا أصول الدين عامة، وأصول مذهبهم خاصة.
والماتريدية من الطوائف التي اختلط في أقوالها الحق بالباطل، والسنة بالبدعة، والضابط في هذا أن يفصل الناظر في مقولاتهم، فما كان حقًّا قبله، وأثنى عليهم به، وما كان باطلًا ردَّه، ونصح لهم فيه برفق.
ومعلوم أن هذه الطوائف تتفاوت في مدى القرب والبعد من الحق، ومَن كان منها أقرب إلى السنة كان أقرب إلى الحق والصواب، فمنهم كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: «مَن يكون قد خالف السنة في أصولٍ عظيمة، ومنهم من يكون إنما خالف السنة في أمور دقيقة، ومن يكون قد ردَّ على غيره من الطوائف الذين هم أبعد عن السنة منه، فيكون محمودًا فيما رده من الباطل، وما قاله من الحق، لكن يكون قد جاوز العدل في رده بحيث جحد بعض الحق، وقال بعض الباطل، فيكون قد ردَّ بدعة كبيرة ببدعة أخف منها، ورد بالباطل باطلًا بباطل أخف منه، وهذه حال أكثر أهل الكلام المنتسبين إلى السنة والجماعة»(1). انتهى من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية.
ولا مانع أن يقال فيهم نحوٌ مما سبق نقله عن الشيخ ابن باز في الأشاعرة عندما قال: ولا مانع أن يقال: إن الأشاعرة ليسوا من أهل السنة في باب الأسماء والصفات، وإن كانوا منهم في الأبواب الأخرى.
مع التنبيه على وجود طائفة أخرى من المخالفات لمن يعقل هذا القول ويضعه موضعه. وبقي بعد هذا البيان جملة أمور:
أولًا: التفريق بين مراتب البدع وأنواع المبتدعة:
فالبدع ليست سواء، فهنالك البدع المكفرة؛ كبدعة أهل الجاهلية في تشريع ما لم يأذن به الله، وكبدعة القاديانية، والبهائية، والعلمانية في واقعنا المعاصر، وهذا كله من جنس الكفر والردة، وأحكامه مقررة في موضعها في باب الردة في كتب الفقه.
وهنالك البدع التي تُعتبر من جنس المعاصي، وهي بدورها تتفاوت كما تتفاوت المعاصي، فمنها الكبائر، ومنها ما هو دون ذلك، ويجب أن يكون الإنكار على كل بدعة بحسبها، وأن تكون درجة الإنكار تابعة لدرجة المخالفة؛ فإن شريعة الله كما لا تفرق بين المتماثلين، فإنها لا تسوي بين المختلفين.
كما أن أهل البدع ليسوا سواء؛ فهنالك الـمُعلن ببدعته والداعي إليها، وهنالك الساكت المستتر ببدعته، وهنالك الجاهل المقلد الذي لا بصيرة له، والذي يتبين له الهدى ثم يتركه، تقليدًا أو تعصبًا ومعاداة لأصحابه، وهنالك المصرُّ على بدعته، والذي تجري منه مجرى الزلة والفلتة، والإنكار على كل صنف من هؤلاء بحسبه، ونَظْمُ الجميع في نسق واحد ظلم واعتداء.
يقول ابن القيم : في كتابه «الطرق الحكمية في السياسة الشرعية»: «وأما أهل البدع الموافقون أهل الإسلام، ولكنهم مخالفون في بعض الأصول؛ كالرافضة والقدرية والجهمية وغلاة المرجئة ونحوهم، فهؤلاء أقسام:
أحدها: الجاهل المقلِّد الذي لا بصيرة له، فهذا لا يكفر ولا يفسق ولا ترد شهادته، إذا لم يكن قادرًا على تعلم الهدى. وحكمه حكم المستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلًا، فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوًا غفورًا.
القسم الثاني: المتمكن من السؤال ومعرفة الهداية ومعرفة الحق، ولكن يترك ذلك اشتغالًا بدنياه ورئاسته ولذته ومعاشه، وغير ذلك. فهذا مفرِّط مستحق للوعيد، آثم بترك ما وجب عليه من تقوى الله بحسب استطاعته، فهذا حكمه حكم أمثاله من تاركي بعض الواجبات، فإن غلب ما فيه من البدعة والهوى على ما فيه من السُّنَّة والهدى رُدَّت شهادته، وإن غلب ما فيه من السنة والهدى على ما فيه من البدعة والهوى قُبِلَتْ شهادته.
القسم الثالث: أن يسأل ويتبين له الهدى، ويتركه تقليدًا أو تعصبًا، أو بغضًا أو معاداة لأصحابه، فهذا أقل درجاته أن يكون فاسقًا، وتكفيره محل اجتهاد وتفصيل، فإن كان معلنًا داعية ردت شهادته وفتاوىه وأحكامه مع القدرة على ذلك، ولم تقبل له شهادة ولا فتوى ولا حكم إلا عند الضرورة، كحال غلبة هؤلاء واستيلائهم، وكون القضاة والمفتين والشهود منهم، ففي رد شهادتهم وأحكامهم إذ ذاك فساد كبير، ولا يمكن ذلك، فتقبل للضرورة»(2).
وتبقى الحاجة ماسة إلى هذا الضابط، لاسيما في أزمنة الفتن وغربة الدين، وشيوع التقاذف بالتهم والمناكر، حتى يعامل كل فريق بما يستحقه، ويسود العدل والإنصاف في التعامل مع الآخرين.
ثانيًا: الاكتفاء بدعوة العامة في مواضع النزاع إلى الجمل الثابتة بالنص والإجماع:
فمن معالم الرشد الدعوي في التعامل مع العامة الاكتفاء في مواضع النزاع بالجُمَل الثابتة بالنص والإجماع، والابتعاد بهم عن الخوض في التفاصيل التي قد توقع بينهم الفرقة والاختلاف؛ وذلك مراعاة لضرورة الاجتماع الذي جعلته النصوص معقد الرحمة ومناط الفوز والغلبة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «فالواجب على المسلم أن يلزم سنة رسول الله ﷺ، وسنة خلفائه الراشدين، والسابقين الأولىن من المهاجرين والأنصار، والذين اتبعوهم بإحسان وما تنازعت فيه الأمة وتفرقت فيه، إن أمكنه أن يفصل النزاع بالعلم والعدل، وإلا استمسك بالجمل الثابتة بالنص والإجماع، وأعرض عن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعًا؛ فإن مواضع التفرق والاختلاف عامتها تصدر عن اتباع الظن وما تهوى الأنفس، ولقد جاءهم من ربهم الهدى…
إلى أن قال: والواجب أَمْر العامة بالجمل الثابتة بالنص والإجماع، ومنعهم من الخوض في التفصيل الذي يوقع بينهم الفرقة والاختلاف؛ فإن الفرقة والاختلاف من أعظم ما نهى الله عنه ورسوله»(3).
إنه ينبغي التفريق بين مخاطبة طلبة العلم في إطار تخصصي في حلقة من حِلَق العلم، أو في فصل من فصول الدراسة الجامعية، وبين مخاطبة العوام، في ساحة مفتوحة في مسجد من المساجد أوفي ندوة من الندوات العامة، فالأولى يغلب عليها التفصيل الذي يستوعبه طالب العلم. والثانية ينبغي أن يغلب عليها الإجمال، الذي يُحقِّق المقصود، وتُطيقه أفهام العوام. ومع هؤلاء وهؤلاء لابد من الإشارة إلى شيء من فقه الاختلاف، وآداب التعامل مع المخالفين، سواء أكان الخلاف في أصل الدين، أم كان الخلافُ داخلَ البيت المسلم، عقديًّا كان الخلاف أو فقهيًّا.
ومما يتصل بهذا الجانب كذلك أنه في المواضع التي يكثر فيها بعض عوام أهل البدع الذين لا يكادون يفرقون بين سنة وبدعة، ولا بين حق وباطل، ولكنهم يعيشون في الجملة كما يعيش سائر المسلمين: يصلون صلاتهم، ويستقبلون قبلتهم، ويقتدون بأئمتهم، ويأكلون ذبيحتهم. فليس من التوفيق وإثارة العصبيات في نفوسهم، وشن الغارة على رموزهم، الذين لا يربطهم بهم إلا مجرد الانتماء التاريخي أو الجغرافي. فالفتنة نائمة فلِمَ السعي في إيقاظها؟! بل ينبغي أن يبين لهم الحق مجردًا في رفق، منسوبًا إلى النبي ﷺ، وبعيدًا عن القدح في هذا أو اللمز في ذاك، فمَن قبل ذلك منهم فله ذمَّة الله ورسوله، ولا نرهقه بتفصيلات لم يكلف به ولا يُطيقها إدراكه، وقد تكون فتنة له في دينه.
ثالثًا: ضبط الخطاب الدَّعَوي، وتجنب الاستعلائية في التعامل مع المخالف:
ومن معالم الرشد ضبط الخطاب الدعوي، وإحياء فقه الاختلاف، وإشاعة ثقافة إنصاف المخالف في الرؤى والأفكار، وتقبُّل ما كان من آرائه موافقًا للحق، ونصحه فيما كان مخالفًا له، وتغليب روح الترفق والمواساة في الدعوة إلى الله ، والمراوحة بين الترغيب والترهيب، مع تقديم الترغيب وتغليبه؛ ذلك أن تألف العصاة على التوبة واستحياؤهم بها أحب إلى الله من إهلاكهم بالإصرار والمحادَّة، فينبغي الرِّفْقُ في الإنكار عليهم، وتجنب الاستعلائية في التعامل معهم، أو تجاهل انتسابهم إلى جماعة المسلمين ما امتهد سبيل إلى ذلك، لاسيما في أزمنة الفتن وغربة الدين وشيوع الجهالة وقلة العلم بآثار الرسالة، اللهم إلا المعاندين والذين ظلموا منهم، وأولى من ذلك تجنُّب الاستعلائية في التعامل على المتدينين من مدارس أو جماعات أخرى.
وإذا كان البرُّ والقسط هو أساس العلاقة في التعامل مع المسالم لأهل الإسلام من غير المسلمين محليًّا وعالميًّا، وأن اختلاف الدين لا ينبغي أن يكون مسوغًا لظلم أحد أو الاستطالة عليه، كما لا يمنع من البر بهم والنصح لهم ودعوتهم إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة، فأولى من ذلك أهل القبلة الذين نشترك معهم في أصل الدين، ولا يزالون ينتسبون إلى جماعة المسلمين، وينتسبون إلى السنة بفهومها العام التي تعني مقابلة الرفض والرافضة، ويتأكد ذلك عندما تكون المخالفات في أزمنة الفتن وشيوع الجهالة وقلة العلم بآثار الرسالة.
ليس من السنة في شيء من هذه النظرة الفوقية إلى المخالفين من أهل السنة، سواء أكانوا من العصاة، أم ممن علق بهم شوب ابتداع في بعض الفروع، أو التعالي عليهم بما أكرمت به من الاستقامة والشماتة بما ابتلوا به من الزلل؛ فإن المسلمين كنفس واحدة، وإن المسلم لينظر إلى أخيه المبتلى نظرة المترحم عليه، المغموم لما ابتلي به، وتؤلمه المصيبة التي وقعت على أخيه في دينه كأنما هو المبتلى بها دونه، لاسيما في أزمنة الفتن، وغربة الدين، وفتور أغلب شرائعه، واستفحال خطر كثير من الأئمة المضلين.
رابعًا: الموازنة بين فريضة الاتباع وضرورة الاجتماع:
لأن كلا الأمرين مقصود للشارع، فلا ينبغي أن يجور أحدهما على الآخر، بل لابد من تحري الموازنة الدقيقة بين الأمرين، بحيث يَعمل كلٌّ منهما في إطاره وفي زمانه، دونما تعارض أو اضطراب، وقد أردنا بالتأكيد على هذا الـمَعْلم معالجة ما يغشى ساحة العمل الإسلامي المعاصر من تهارج وتجاذب حول هذه القضية:
فمنهم من يرى ضرورة إعلان النكير على المخالف لشيء من أصول أهل السنة، والتثريب عليه بالهجر ونحوه، ويستخدم ذلك عامًّا من غير علم ولا حلم ولا فقه، ولا اعتبار بالمآل، ولا نظر فيما يصلح ذلك وما لا يصلح، فيأتي احتسابهم بنقيض المقصود، ويزداد الواقع سوءًا وفتنة.
ومنهم من يرى التغاضي في سبيل طلب اجتماع الكلمة عن هذا الأمر بالكلية، فلا يفرق في تعامله بين صاحب سُنَّة وصاحب بدعة، ولا بين محقٍّ ومبطل، تحت دعوى وَحدة الصف واجتماع الكلمة.
والحق دائمًا بين إفراط من طرف، وتفريط من الطرف الآخر، ودين الله وسط بين الغالي فيه والجافي عنه.
وهذا يقتضي كذلك أنه مهما أمكنَ التأوُّل للمسلم وحمل حاله قولًا أو عملًا على السلامة والاستقامة، فلا ينبغي أن يعدل عن ذلك، أسوة على الأقل بما يفعله بعض رموزنا مع تصريحات العلمانيين والأئمة المضلين.
فليس من السُّنَّة في شيء ولا من الإنصاف في شيء أن نتأول للعلمانيين والقائمين على تحكيم القوانين الوضعية، وأن نتلمس الشبهات لندرأ عنهم كثيرًا من قواطع الأحكام، في الوقت الذي نستفرغ وُسعنا في تتبُّع زلات بعض أهل الدين وتطييرها والتهييج عليهم، ولا يمتهد لهم عندنا سبيل إلى عذر بتأويل ولو كان فاسدًا.
الأصل في زلاتهم أنها عن قصد، وفي مخالفاتهم أنها عن عمد، وأنها امتداد لِلَوْثةٍ أشعرية، أو دسيسة سرورية، أو تسللات قبورية، فلا ينالون من أريحيتنا وسَعَةِ أفقنا ما يناله منا بعض خصوم الشريعة وأباطرة العلمانية.
خامسًا: التفريق في فقه الاجتماع بين حالة الاستضعاف، وحالة الاستخلاف:
فالذي يصلح لحال الأمة في زمن ضعفها وانكسارها هو التألف والمداراة، وليس التصلُّب والمجافاة. ولا علاقة لذلك ببيان الحق، والدعوة إليه، والرد على شبهات مخالفيه. على أن يكون ذلك برفق ولطف، ودونما إثارة من شدة أو عنف، وإنما المقصود بهذا المعلم تحديدًا هو الدعوة إلى تغيير أسلوب الخطاب، فبدلًا من التشنيع والتهييج والإقصاء، أو التهارج والتقاتل والاحتراب، ينادى بالتألف، والمداراة واستقطاب المخالف، وفتح مغاليق قلبه بالحكمة والموعظة الحسنة؛ لأن استحياءه بالتوبة أحبُّ إلى الله من هلاكه بالإصرار والمعاندة. وهذا يقتضي أن نتجنب الاستعلائية، والاستفزاز في الخطاب، والتراشق بالعبارات المتجهمة التي تقيم الحواجز والجدر بيننا وبين من ندعوهم إلى هذا الحق، فالمداراة خفض الجناح للناس، ولين الكلام، وترك الإغلاظ لهم في القول.
سادسًا: التفريق بين المداراة المشروعة والمداهنة المذمومة.
فالمداراة لأهل الإيمان، والمداهنة لأهل النفاق، الأولى صفة مدح، والثانية صفة ذم، والفرق بينهما تُوجزه كلمة ابن القيم : عندما قال: «والفرق بينهما أن المداري يتلطَّف بصاحبه حتى يستخرج منه الحق، أو يرده عن الباطل، والمداهن يتلطف به ليُقرَّه على باطله، ويتركه على هواه، فالمداراة لأهل الإيمان، والمداهنة لأهل النفاق»(4).
ولقد مضت سنةُ رسول الله ﷺ بمداراة أعداء الدعوة المتربصين بها الدوائر، من اليهود، والمنافقين، وأصحاب الجهالة من المشركين، والمؤلَّفة قلوبهم، وأجلاف الأعراب، سيما في أول الأمر. ويدل على ذلك:
عدم قَتْله ابنَ الصياد وقد ادعى النبوةَ؛ خوفًا من أن يُثير على أتباعه شر اليهود(5).
عدم قتله إمام الكفر والنفاق عبدَ الله بنَ أُبَيٍّ ابن سلول وتلطُّفه به؛ حتى لا يُثير عليه قومه وعشيرته.
عدم قَتْله مَنْ سَحَرَه اليهودي لبيد بن الأعصم واكتفى باستخراج السحر وغسله.
عدم قتله اليهودية زينب أخت مرحب التي قدمت له الشاة المسمومة بخيبر وركزت السم في كتفها عندما علمت أنه يفضِّل من الشاةِ الكتفَ.
عدم إعادة بناء الكعبة على قواعد إبراهيم بعد أن عزم عليه؛ تألفًا لقريش، ورحمة بهم؛ حتى لا يتقلقل الإيمان في القلوب. فقال لعائشة: «يَا عَائِشَةُ، لَوْلَا أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثُو عَهْدٍ بشِرْكٍ لَـهَدَمْتُ الْكَعْبَةَ فَأَلْزَقْتُهَا بِالْأَرْضِ وَجَعَلْتُ لَـهَا بَابَيْنِ: بَابًا شَرْقِيًّا وَبَابًا غَرْبِيًّا، وَزِدْتُ فِيهَا سِتَّةَ أَذْرُعٍ مِنَ الْـحَجَرِ؛ فَإِنَّ قُرَيْشًا اقْتَصَرَتْهَا حَيْثُ بَنَتِ الْكَعْبَةَ»(6).
إغداقه العطاءَ على المؤلَّفة قلوبهم يوم حُنين وغيرها، فأعطى لكلِّ واحدٍ منهم مائةً من الإبل؛ تألفًا لهم على أن يدخل الإيمان في قلوبهم(7)، بل أعطى صفوان بن أمية واديًا من الإبل وواديًا من الغنم حتى أسلم وحَسُن إسلامه ورجع إلى قومهم يدعوهم إلى الإسلام قائلًا: إن محمدًا يُعطي عطاءَ مَن لا يخشى الفقر(8).
أَمْره ﷺ بالصبر على أُمَراء الجور، وبالصلاة خلفهم وإن أخَّروها(9).
تبسُّمه وإِلَانته القولَ لعُيَيْنة بن حِصْن؛ اتِّقاءَ شرِّه وخشيةَ أن يُؤلِّب عليه قومه وعشيرته؛ فقد أخرج البخاري في «صحيحه»: عن عُرْوة بن الزُّبير: أن عائشة أخبرته أنه استأذن، فقال ﷺ: «ائْذَنُوا له؛ فَبِئْسَ ابْنُ الْعَشِيرَةِ» أو «بِئْسَ أَخُو الْعَشِيرَةِ»، فلما دخل أَلَانَ له الكلام، فقلت له: يا رسول الله، قُلتَ ما قلتَ، ثم أَلَنْتَ له في القول؟ فقال: «يَا عَائِشَةُ، إِنَّ شَرَّ النَّاسِ مَنْزِلَةً عِنْدَ الله مَنْ تَرَكَهُ- أو وَدَعَهُ- النَّاسُ اتِّقَاءَ فُحْشِهِ»(10).
خصَّ مَخْرَمة والد المِسْوَر بقِبَاء؛ لِحِدَّةٍ في لسانه. أخرج البخاري في «صحيحه»: عن ابن أبي مُلَيْكة: أن النبيَّ ﷺ أُهدِيت له أَقْبِيَةٌ مِن ديباج مُزرَّرة بالذهب، فقسَّمَها في أناسٍ من أصحابه، وعَزَل منها واحدةً لمخرمة، فلما جاء قال: «خَبَّأْتُ هَذَا لَكَ». قال أيوب: وكان في خُلُقه شيءٌ(11).
قال الحافظ ابن حجر مُعلِّقًا على هذين الحديثين ومُعلِّلًا مداراتِه ﷺ لهما: «إنما قيل في مخرمة ما قيل لما كان في خُلُقه من الشدة، فكان لذلك في لسانه بذاءة، وأما عُيَيْنة فكان إسلامُه ضعيفًا، وكان مع ذلك أهوج فكان مطاعًا في قومه»(12).
وعلى هذا فالمطلوب هو المداراة لنصرة الحق، وإشاعة الرحمة بالخلق، وليس المطلوب المداهنة بما تعنيه من الإقرار على الباطل، والتخلية بين الناس وأهوائهم.
سابعًا: تقليل المفاسد سياسة شرعية ثابتة في التعامل مع المخالف:
ذلك أن مبنى الشريعة على تحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، فالتلبس ببدعة من البدع لا يمنع من الإفادة ممن تلبَّس بها في دَفْع استطالة أعداء الدين، ودَرْء حِرَابتهم على جماعة المسلمين، سيما بالنسبة إلى مَن يُقيمون خارج ديار الإسلام؛ لأنه قد تمهَّد في أصول أهل السنة أنه يُقَاتَل مع المبتدع مَن هو أشد منه ابتداعًا، بل ومع الكافر من هو أشدُّ منه كفرًا، وأن هذا المسلك تشتد الحاجة إليه بصورة خاصة في أزمنة الفتن وغربة الدين، وضعف الأمة وانكسار شوكتها، ومسيس حاجتها إلى الاحتشاد في مواجهة من يهددونها في أصل دينها، حسدًا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق، وبصورة أخص بالنسبة للمغتربين خارج ديار الإسلام، حيث تكون الأولوية الدعوية للدفاع عن أصل الدين، وعدم استنزاف الطاقات جميعًا في تتبُّع البدع داخل البيت المسلم، سيما إذا كانوا مشتغلين بدعوة غير المسلمين، فلأن يموت الرجل على بدعة خير من أن يموت عابد وثن.
ولا يرد على هذا أن يقال: إن مواجهة أهل البدع أهم وأولى من مواجهة أفكار الكفر والعلمنة؛ فإن الكفر أسخط لله من البدعة؛ فقد سئل النبي ﷺ: أي الذنب أعظم؟ فقال: «أَنْ تَجْعَلَ لله نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ»(13). وإن أهل الشرك أبعد عن الله من أهل التوحيد ممن خلطوا سنة ببدعة، أو عملًا صالحًا بآخر سيئٍّ.
وأيًّا كان الأمر فليس الحديث عن تَرْك الرد على أهل البدع أو ترك الدعوة إلى السنة، وإنما الحديث تحديدًا حول طريقة التعامل مع المخالف في أزمنة الضعف وغربة الدين، هل هي التصلب والمجافاة أم التألف والمداراة؟
ثامنًا: الحرص على إقامة المصالح العامة للمغتربين من أهل القبلة خارج ديار الإسلام:
فلأهل القبلة في هذه البلاد مصالحُ عامة تمسُّ الحاجة معها إلى تكاتف جهودهم جميعًا لتحقيقها. إن لهم مؤسسات تحتاج إلى حماية، وتقع عليهم مظالم يحتاجون معها إلى تعاضد لدفعها، وإن واقعهم في بِحار الكفر المتلاطمة التي تحيط بهم لا يحتمل أن تنتقل شرارة الفتن التي تشتعل في الشرق إلى بيئتهم، وأن تقضي على بقية العافية القليلة التي بقيت في جسدهم.
إن مسلسل تبادل حرق المساجد بين السنة والشيعة الذي يقع في باكستان أو في العراق على سبيل المثال لا تحتمله أجواء المغتربين من المسلمين خارج ديار الإسلام، ومن ثمَّ كان لابد من ترتيب آلية للحوار في هذه البيئة لتطويق مثل هذه الفتن ومنع انتقالها، ومن هنا كان منطق التألف والمداراة، مع بقاء الخصوصيات المنهجية والعقدية لكل الطوائف، ﴿قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلًا﴾ [الإسراء: 84].
وقد تفاوت أهل السنة في التعامل مع المخالف لهم تفاوتًا ظاهرًا، من التصلب والمجافاة إلى التألف والمداراة، بحسب المصالح أو المفاسد التي تترتب على هذا أو ذاك، من غير أن يعني هذا إقرارًا لمذهب المخالف بالصحَّة، أو لشذوذاته العقدية أو المنهجية بالشرعية.
ومثل ذلك مقام المستضعفين من أهل الدِّين تحت خيمة العلمانية وجبروت الأنظمة الوضعية؛ فإن مصلحة الدعوة في هذه الأجواء قد تقتضى تنسيقًا في بعض المواقف وتعاضدًا لتحقيق بعض المصالح المشتركة مع فريق أو أكثر من المخالفين في بعض الأصول الكلية.
وإذا كان دينُنا قد جاء فيه قول النبي ﷺ عن مشركي مكة: «لَا يَسْأَلُونِي خُطَّةً يُعَظِّمُونَ فِيهَا حُرُمَاتِ الله إِلَّا أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا»(14)، وقد وَسِعَ هذا القولُ النبويُّ المضيءُ أهلَ الشرك إن جاءوا بخطة رشد، ألا يسع فريقًا من أهل القبلة ممن بقوا على أصل الدين ولكنهم استحوذ عليهم الشيطان فتحزبوا على بعض الأصول البدعية.
إن مثل هذا المنطق يلجأ إليه العقلاء قاطبة فوق كل أرض وتحت كل سماء، ومنها ما يجري عليه العمل في بلاد الحرمين، وهي التي أُقيمت على التوحيد، ويرابط علماؤها على ثغور إقامة الدين وإحياء السنة، ولا تأخذهم في الحق لومةُ لائم.
إنهم يُقرُّون حكومات بلادهم على إقامة علاقات دبلوماسية مع دول الكفر ودول البدع لتحقيق بعض المصالح الدينية أو الدنيوية، كما يقرُّونها على عضوية المنظمات الدولية وما هي إلا تحالفٌ مع أهل الأرض قاطبة عربهم وعجمهم مؤمنهم وكافرهم، على تحقيق بعض المصالح العالمية المشتركة.
أليست بلاد الحرمين حفظها الله عضوًا في الأمم المتحدة، وما هذه الهيئة إلا تحالف دولي لتحقيق بعض المصالح الدولية المشتركة، وهي تضم فيما تضم عبدة البقر، وعبدة الشياطين، وعبدة النار، كما تضم الرافضة وغيرهم من غلاة أهل البدع؟ بل تضم المسالمين لأمة الإسلام والمحاربين لها على حد سواء، ولا يرون ذلك قادحًا في عقيدة الولاء والبراء، ولا تبرَّءوا من حكوماتهم لهذا السبب؛ لعلمهم أن قواعد السياسة الشرعية تستوعب مثل هذه التصرفات التي تدور في فلك الموازنة بين المصالح والمفاسد.
إنهم يجتمعون مع ممثلي الدول الإسلامية في المؤسسات الدينية الرسمية كالمجمع الفقهي ورابطة العالم الإسلامي، ومجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، وغيرها. ومن هؤلاء من عُرف بأشعريته، أو بتصوفه، أو حتى بتشيعه، ولا يرون في ذلك حرجًا، ولا قدحًا في عقيدة الولاء والبراء؛ لأن اجتماعهم في هذه المجالس لتحقيق مصالح عامة للأمة لا يتسنى تحقيقها إلا بهذا الطريق.
ولا أدري كيف يكون مشروعًا أن يجتمع سماحة الشيخ ابن باز: في المجمع الفقهي مع مثل حسنين مخلوف ومعروف الدواليبي لمناقشة بعض القضايا الفقهية، ويكون حرامًا أن يجتمع سفر الحوالي في حَمْلته التي نظمها لمقاومة العدوان مع ممثلي اتجاهات مختلفة داخل البيت المسلم لنصرة النبي محمد ﷺ، ودفع غائلة العدوان عن الأمة.
هذا ما تيسر تحريره في هذه المسألة، وقد نكون في بعض ذلك مخطئين أو مصيبين، ولكن هذا هو ما نعتقده صوابًا؛ فإن كان كذلك فهو من الله، وإن كان خطأً فهو منا أو من الشيطان، والله ورسوله منه بريئان. ولعلنا نرجع إليها بتفصيلٍ أكثر في مناسبات أخرى بإذن الله. والله تعالى أعلى وأعلم.
_____________________
(1) «مجموع الفتاوى» (3/348).
(2) «الطرق الحكمية» ص255.
(3) «الفتاوى الكبرى» (5/142).
(4) «الروح» ص231.
(5) فقد أخرج مسلم في كتاب «الفتن وأشراط الساعة» باب «ذكر ابن صياد» حديث (2924) من حديث عبد الله بن مسعود قال: كنا مع رسول الله ﷺ فمررنا بصبيان فيهم ابن صياد ففر الصِّبيان وجلس ابنُ صياد فكأَنَّ رسول الله ﷺ كرِهَ ذلك، فقال له النبي ﷺ: «تربت يداك أتشهدُ أني رسول الله؟». فقال: لا. بل تشهد أني رسول الله؟ فقال عمر بن الخطاب: ذرني يا رسول الله حتى أقتله. فقال رسول الله ﷺ: «إن يكن الذي ترى فلن تستطيع قتله».
(6) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب «العلم» باب «من ترك بعض الاختيار مخافة أن يقصر فهم» حديث (126)، ومسلم في كتاب «الحج» باب «نقض الكعبة وبنائها» حديث (1333)، من حديث عائشة.
(7) ففي الحديث الذي أخرجه مسلم في كتاب «الزكاة» باب «إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام وتصبر من قوي إيمانه» حديث (1060) من حديث رافع بن خديج قال: أعطى رسول الله ﷺ أبا سفيان بن حرب وصفوان بن أمية وعيينة بن حصن والأقرع بن حابس كل إنسان منهم مائة من الإبل.
(8) أخرجه مسلم في كتاب «الفضائل» باب «ما سئل رسول الله ﷺ شيئا قط فقال لا وكثرة عطائه» حديث (2312) من حديث أنس بن مالك قال: ما سئل رسول الله ﷺ على الإسلام شيئًا إلا أعطاه. قال: فجاءه رجلٌ فأعطاه غنمًا بين جبلين فرجع إلى قومه فقال: يا قوم أسلموا فإن محمدًا يُعطي عطاء لا يخشى الفاقة.
(9) أخرجه مسلم في كتاب «المساجد ومواضع الصلاة» باب «كراهية تأخير الصلاة عن وقتها المختار» حديث (648) من حديث أبي ذر قال: قال لي رسول الله ﷺ: كيف أنت إذا كانت عليك أمراء يؤخرون الصلاة عن وقتها أو يُمِيتُون الصلاة عن وقتها؟ قال: قلت: فما تأمرني؟ قال: «صَلِّ الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا فَإِنْ أَدْرَكْتَهَا مَعَهُمْ فَصَلِّ فَإِنَّهَا لَكَ نَافِلَةٌ».
(10) أخرجه مسلم في كتاب «البر والصلة والآداب» باب «مداراة من يتقي فحشه» حديث (2591).
(11) أخرجه البخاري في كتاب «فرض الخمس» باب «قسمة الإمام ما يقدم عليه ويخبأ لمن لم يحضره أو غاب عنه» حديث (3127).
(12) «فتح الباري» (10/529).
(13) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب «تفسير القرآن» باب «قوله تعالى: ﴿فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 22]» حديث (4477)، ومسلم في كتاب «الإيمان» باب «كون الشرك أقبح الذنوب وبيان أعظمها بعده» حديث (86)، من حديث عبد الله بن مسعود .
(14) أخرجه البخاري في كتاب «الشروط» باب «الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب وكتابة الشروط» حديث (2734) من حديث المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم .