يأتي في رأسي أفكار لا أستطيع لها دفعًا، وتشعرني بأني ملحد وكافر والعياذ بالله. وجملة هذه الأفكار تُؤدِّي إلى قناعة عقليَّة بأن الإنسان مُجبر لا محالة.
أعلم أن ذلك خطأ، ولكن عقلي لا يريد أن يقتنع، وسأذكر لكم الأسئلة التي يطرحها علي عقلي وأنا أجيبه:
1- أليس الله هو خالق كل شيء؟ ج: طبعًا هو الخالق.
2- أليس الإنسان مخلوقًا؟ ج: نعم.
3- بما يُرجِّح الإنسان اختياره؟ ج: بإرادته.
4- ومن خلق هذة الإرادة؟ ج: الله.
5- كيف تكون مخلوقة وحرة؟ ج: لا أعرف.
6- مع فرض أنها حرة، لماذا تختار النفس الكفر أو الإيمان؟ لأنها تريده مع معرفتها أنه خطأ.
7- هذه النفس الله خلقها من طين، وكما في الحديث: أن الله قبض من تراب الأرض المختلف، فكان منها الطيب والخبيث، والأبيض والأسود. إذن الخبث الموجود في الكافر بسبب مادة خلقِه، وبالتالي هو ليس له دخلٌ في كفره، بل المادة التي خُلق منها هي السبب، لا أعرف. ارحمني.
8- الظروف التي يوضع فيها الإنسان الكافر من البيئة المحيطة به وأبيه وأمه يؤثران فيه بالسلب، أما المؤمن فيتأثر بالإيجاب، فهذا يعني أن الكافر فُرصته في الهدى أقل من المؤمن. والله عادل، فكيف؟
9- إذا كان قصدُ الإنسان قبل فعله هو الذي يرجح ما سيفعل، فالله سبحانه هو خالق هذا القصد؛ لأنه خالق كل شيء. إذن فالإنسان مُجبر؛ لأن قصدَه مخلوقٌ له.
تكون إجابتي في النهاية على نفسي: إن الله عادل، ولا يظلم مثقال ذرة؛ لذا فالإنسان مخير.
والمشكلة في عقلي ليست في دين الله، فأنا غير محاسب على ذلك؛ لأني لا أريده، وإن هذا من علم الله فلا أعلمه، كما لا أعلم كيف يتحول العدم (الصفر) إلى شيء (واحد)؟ فيردُّ علي قائلًا: بل هذا مستقر في قلبك، بدليل أنك عقلًا لا تستطيع الرد، فلا يفيدك هذا الكلام، فهو من النفاق، وأنت في الدرك الأسفل.
الخلاصة: أنا في كرب لا يعلمُه إلا الله، وأرجو منكم الإجابة على هذه النقاط في أسرع وقت ممكن، قبل أن أصبح مجنونًا أو منتحرًا أو ملحدًا بأسلوب سلس عامي حتى أفهم، فأنا أعرف أن هذه الأفكار خاطئة، ولكن ليس بيدي شيء. أغيثوني!
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فلقد أجبتَ على نفسك يا بني إجابة مجملة، بأن الله لا يظلِمُ الناسَ شيئًا(2)، وتلك حقيقة أعظم من كل الوساوس والهواجس، تضافر على إثباتها العقل والنقل والفطرة، والله جل وعلا لا يحاسِبُ الناس بمقتضى سابق علمه فيهم، بل بمقتضى ما ظهر من أعمالهم.
وقد زوَّد عباده بأدوات التكليف، ﴿إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا﴾ [الإسراء: 36]، وأرسل لهم الرسل مبشرين ومنذرين، ﴿رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ﴾ [النساء: 165].
ولا يحاسب أحدًا منه إلا إذا قامت عليه الحُجَّة الرسالية التي يكفُر معاندها؛ ﴿لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ﴾ [الأنفال: 42]، كما قال تعالى: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا﴾ [الإسراء: 15].
ولا تبتئس مِن توارد هذه الخواطر عليك؛ فقد كان مثلها يمرُّ على بعض الصحابة فسألوا في ذلك رسولَ الله ﷺ فقال: «أَوَقَدْ وَجَدْتُمُوهُ؟ ذَلِكَ صَرِيحُ الْإِيمَانِ»(3).
أي أن مقاومة هذه الخواطر ومدافعتها وعدم الاستجابة لداعيتها صريح الإيمان، وإنما يلزمك إطراحها وعدم الالتفات إليها، وأن تقول: الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة(4).
فإن عجزت عن ذلك فالتمس علاجك منها بالسؤال والحوار مع أهل العلم. ونسأل الله لنا ولك الهدى والتقى. والله تعالى أعلى وأعلم.
ــــــــــــــــــــــــ
(1) قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ [يونس: 44].
(2) أخرجه مسلم في كتاب «الإيمان» باب «بيان الوسوسة في الإيمان وما يقوله من وجدها» حديث (133) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .
(4) فقد أخرج أحمد في «مسنده» (1/235) حديث (2097)، وأبو داود في كتاب «الأدب» باب «في رد الوسوسة» حديث (5112)، والنسائي في «عمل اليوم والليلة» ص420. من حديث ابن عباس ب قال: جاء رجل إلى النبي ﷺ فقال: يا رسول الله إن أحدنا يجد في نفسه يُعَرِّضُ بالشيء لأن يكون حُمَمَةً أحبُّ إليه من أن يتكلم به. فقال: «اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ؛ الْـحَمْدُ لله الَّذِي رَدَّ كَيْدَهُ إِلَـى الْوَسْوَسَةِ»، وذكره الحافظ العراقي في «تخريج أحاديث الإحياء» (2/935) وجوَّد إسناده، وذكره الألباني في «صحيح سنن أبي داود» حديث (5112).