وسوسة في التوحيد

أرجوك يا شيخ لا تتركني هكذا وأعطني جوابًا مفصلًا عما يحدث لي، فأنا أريد أن أعيش مُسلمًا وأتوفى مسلمًا، أرجوك اقرأ سؤالي جيدًا، أرجوك أنا في كرب لا يعلمه إلا الله:
أنا إنسان موسوس لأبعد درجة يمكن أن تتخيلها، تأتيني أفكار ودوافع كثيرة لا أقوى على دفعها، وكانت تتعلق بالتوحيد وغير ذلك، والحمد الله كنت أدفعها، لكن منذ شهر تقريبًا الوسواس يكاد يفقدني عقلي، وتخيل معي يا شيخ أنني كنت في المرحاض- أعزكم الله- وجاءني وسواس وأنا أقضي حاجتي أن أفعل مثل ما يقوم به النصارى، فامتنعت عن الفكرة، وبعد ذلك جاءني خاطر يقول لي: ما دمت قد امتنعت فأنت تعظم شعائرهم والعياذ بالله. وبعد دقائق جاءني نفسُ الشعور ولكني خفتُ أني إن امتنعت عن تدنيس الصليب وأنا أقضي حاجتي قد أكون أعظمه والعياذ بالله.

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فقد علمت يا بني أن هذا وسواس من الشيطان الذي أمرك الله باتخاذه عدوًّا، فاطرحه جانبًا، واعمل بنقيض ما يوسوس لك به، واذكر قوله تعالى: ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾ [فاطر: 6] وضيِّق عليه مجاريه في دمك بمداومة الذكر وقراءة القرآن، خاصةً آية الكرسي، وسورةالبقرة عمومًا، وبدوام الوضوء، وبالتوبة من جميع الذنوب والمعاصي، فما نزل بلاء إلا بذنب، وما كشف إلا بتوبة(1).
وأريد أن أبشرك بأن مراغمتك له، واستمساكك بدينك وعدم الاستجابة لغوايته دلالةٌ على صريح الإيمان؛ فقد روى مسلم في «صحيحه» عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء ناسٌ من أصحاب النَّبي صلى الله عليه وسلم فسألوه: إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدُنا أن يتكلَّم به؟ قال: «وَقَدْ وَجَدْتُمُوهُ؟». قالوا: نعم. قال: «ذَاكَ صَرِيحُ الْإِيمَانِ»(2).
قال النووي في شرحه لهذا الحديث: «فقوله صلى الله عليه وسلم: «ذَلِكَ صَرِيحُ الْإِيمَانِ» و«مَحْضُ الْإِيمَانِ»(3) معناه: استعظامكم الكلام به هو صريح الإيمان، فإن استعظام هذا وشدة الخوف منه ومن النطق به، فضلًا عن اعتقاده، إنما يكون لمن استكمل الإيمان استكمالًا محققًا وانتفت عنه الريبة والشكوك»(4).
وإن أعياك أمرَه بعد التماس الأسباب الشرعية فالتمس دواءً لعلتك عند ثقات الأطباء؛ فقد شرع الله التداوي، وأمر به رسوله صلى الله عليه وسلم(5).
ونسأل الله أن يمسح عليك بيمينه الشافية، وأن يجمع لك بين الأجر والعافية. والله تعالى أعلى وأعلم.

_____________________

(1) أخرجه الدينوري في «المجالسة وجواهر العلم» (1/ 124) حديث (727) من قول العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه.

(2) أخرجه مسلم في كتاب «الإيمان» باب «بيان الوسوسة في الإيمان وما يقوله من وجدها» حديث (132) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(3) أخرجه مسلم في كتاب «الإيمان» باب «بيان الوسوسة في الإيمان وما يقوله من وجدها» حديث (133) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(4) «شرح النووي على صحيح مسلم» (2/ 154).

(5) أخرجه أحمد في «مسنده» (1/ 413) حديث (3922) ، وابن ماجه في كتاب «الطب» باب «ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء» حديث (3438) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «تَدَاوُو عِبَادَ الله، فَمَا أَنْزَلَ اللهُ مِنْ دَاءٍ إِلَّا أَنْزَلَ لَهُ دَوَاءً، عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ وَجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ»، وذكره الكناني في «مصباح الزجاجة» (4/50) وقال: «هذا إسناد صحيح رجاله ثقات».

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend