قال محمد بن يوسف الصالحي في «سبل الهدى»: الباب الخامس في ذكر من توسل به -صلى الله عليه وسلم- بعد موته: روى الطبراني والبيهقي بإسناد متَّصل ورجاله ثقات، عن عثمان بن حنيف: أن رجلًا كان يختلف إلى عثمان بن عفان في حاجة… قال الطبراني: والحديث صحيح، وكذا قال المنذري والهيثمي والسبكي: التوسل أو الاستغاثة بالنبي -صلى الله عليه وسلم- أم بمن هم دونه.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فإن التوسُّلَ بالنبي -صلى الله عليه وسلم- من القضايا الخلافية بين أهل العلم، ومثل هذا لا ينكر فيه على المخالف.
وقد نقل هذا الخلاف كثيرون عبر التاريخ من القدامى ومن المعاصرين، فعند أحمد فيه قولان مشهوران(1).
وقد سئل الشيخ محمد عبد الوهاب عن قولهم في الاستسقاء: لا بأس بالتوسل بالصالحين. وقول أحمد: يتوسل بالنبي ﷺ خاصةً. مع قولهم: إنه لا يستغاث بمخلُوق. فقال: فالفرق ظاهر جدًّا، وليس الكلام مما نحن فيه. فكون بعضٍ يُرخص بالتوسل بالصالحين، وبعضٍ يخصه بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، وأكثر العلماء ينهى عن ذلك ويكرهه فهذه المسألة من مسائل الفقه، وإن كان الصواب عندنا قول الجُمهور من أنه مكروه، فلا ننكر على من فعله، ولا إنكار في مسائل الاجتهاد، ولكن إنكارنا على من دعا لمخلوق أعظمَ مما يدعو الله تعالى- ويقصد القبر- يتضرع عند ضريح الشيخ عبد القادر أو غيره يطلب فيه تفريج الكربات وإغاثة اللهفات وإعطاء الرغبات، فأين هذا ممن يدعو الله مخلصًا له الدين لا يدعو مع الله أحدًا، ولكن يقول في دعائه: أسألك بنبيك أو بالمرسلين أو بعبادك الصالحين، أو يقصد قبرًا معروفًا أو غيره يدعو عنده، لكن لا يدعو إلا الله مخلصًا له الدين، فأين هذا مما نحن فيه. «فتاوى الشيخ محمد بن عبد الوهاب» في مجموعة المؤلفات القسم الثالث (ص68).
ولكن ينبغي الانتباه إلى التمييز بين التوسل والاستغاثة، فالتوسل أن تسأل الله جل وعلا بجاهِ من تتوسل به عنده، فالمسئول هو الله عز وجل ، أما الاستغاثة فأنت تسأل المستغاثَ به نفسه، فالمسئول هو المستغاث به وليس الله عز وجل ، والاستغاثة بالمخلوق عليه إلا الخالق لا تجوزُ؛ فإن استغاثةَ المخلوقِ المخلوقَ كاستغاثة السجين بالسجين أو كاستغاثة الغريق بالغريق. والله تعالى أعلى وأعلم.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) جاء في «الإنصاف» (2/456): «ومنها : يجوز التوسل بالرجل الصالح ، على الصحيح من المذهب ، وقيل : يستحب . قال الإمام أحمد : المروذي يتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم في دعائه وجزم به في المستوعب وغيره ، وجعله الشيخ تقي الدين كمسألة اليمين به، قال : والتوسل بالإيمان به وطاعته ومحبته والصلاة والسلام عليه ، وبدعائه وشفاعته ، ونحوه مما هو من فعله أو أفعال العباد المأمور بها في حقه : مشروع إجماعًا ، وهو من الوسيلة المأمور بها في قوله تعالى: ﴿اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة﴾.