التماثيل الآثارية السياحية

الله يرضى عنك يا دكتور صلاح. ما حكم التماثيل التي في الأقصر ونحوها؟ وما حكم الذهاب إليها للسياحة؟ وهل يجب أصلًا أن تُزال عند التمكين في الأرض؟

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فإن اقتناء التماثيل ليس حضارة إسلاميَّة، فقد بُعث نبيُّك بطمس الصور وتكسير التماثيل، فعن أبي الهياج الأسدي قال: قال لي علي بن أبي طالب: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله ﷺ، ألا تدع تمثالًا إلا طمسته، ولا قبرًا مشرفًا إلا سوَّيته(1).
وأما إزالتها بعد التمكين فلكلِّ حادثٍ حديث، ولا تُعرِّض نَحْرك للهجوم من قبل خصوم الشَّريعة حول قضايا لم يأتِ أوانها بعدُ، وعندما يأتي التمكين ستجد من يُفتيك حول هذه التماثيل. فطِبْ نفسًا بإذن الله.
أما زيارة هذه الآثار فلا بأس بها إذا كان ذلك لقصد الاعتبار أو النزهة ولم يكن لقصد التعظيم أو التبرك، فإذا وصل إلى بلد فيها شأن من الآثار القديمة جاز له الوقوف عليها لعموم قوله تعالى: ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [غافر: 82].
ويستثنى من ذلك أماكن العذاب التي وقع فيها الخسف أو المسخ أو الإهلاك لأهلها بذنوبهم؛ فلا يجوز اتخاذ هذه الأماكن للسياحة والاستجمام، لأن النبي ﷺ لما مر بالحِجْر- وهي منازل ثمود- قال: «لَا تَدْخُلُوا مَسَاكِنَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ إِلَّا أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ؛ حَذَرًا أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَهُمْ» ثم زجر فأسرع حتى خلَفهَا(2).
قال ابن القيم : في أثناء ذكره للفوائد والأحكام المستنبطة من غزوة تبوك: «ومنها أن مَن مرَّ بديار المغضوب عليهم والمعذبين لم ينبغ له أن يدخلها ولا يقيم بها بل يسرع السير ويتقنع بثوبه حتى يجاوزها ولا يدخل عليهم إلا باكيًا معتبِرًا، ومن هذا إسراع النبي ﷺ السير في وادي محسر بين منى وعرفة فإنه المكان الذي أهلك الله فيه الفيل وأصحابه»(3).
وقال الحافظ ابن حجر : في شرح الحديث السابق: «وهذا يتناول مساكن ثمود وغيرهم ممن هو كصفتهم؛ وإن كان السبب ورد فيهم»(4). واللهُ تعالى أعلى وأعلم.

_________________

(1) أخرجه مسلم في كتاب «الجنائز» باب «الأمر بتسوية القبر» حديث (969).

(2) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب «المغازي» باب «نزول النبي ﷺ الحجر» حديث (4419)، ومسلم في كتاب «الزهد والرقائق» باب «لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم إلا أن تكونوا باكين» حديث (2980)، من حديث ابن عمر رضي الله عنه .

(3) «زاد المعاد» (3/650).

(4) «فتح الباري» (6/380).

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend