التشاؤم ببعض الأشخاص

لي شخص قريب مني جدًّا، ومن المفترض أنه يود لي الخير، لكن للأسف كلما علم بأمر سارٍّ لي يسد دربه، وإن تصبحتُ بوجهه تحبط كل آمالي ولا يحصل معي أمر طيب وأفشل في امتحاني، فلا أعرف كيف أتصرف، وهل في هذا التفكير إثم؟ وماذا أفعل؟

جزاكم الله خيرًا

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فإن التشاؤم والتطير: توهُّمُ وتوقُّعُ حصول المكروه بمرئي أو معلوم أو مسموع. فمثال المرئي: التطير برؤية أصحاب العاهات والبوم وغير ذلك. ومثال المعلوم: التشاؤم ببعض الأيام، أو بعض الشهور، أو بعض السنوات. ومثال المسموع: التشاؤم بسماع كلمة نحو: يا خسران، أو يا خائب، أو ما تم، ونحو ذلك من الألفاظ.
حكم التطير: لقد وردت أدلة الشرع الحنيف بالنهي عن التطير، فأخبر الله تعالى عن المشركين أنهم كانوا يتطيرون بالمؤمنين، ومن ذلك قوله تعالى: ﴿فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف: 131]، وقوله: ﴿قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ﴾[النمل: 47]، ومما لا شك فيه أن هذا ورد على سبيل الذم لهذه العادة القبيحة.

وأما السنة فقد ورد فيها النهي أيضًا حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم : «الطِّيَرَةُ شِرْكٌ»(1)، وقال: «لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ..» الحديث(2). والتطير ينافي التوحيد، ووجه منافاته له من وجهين:
الأول: أن المتطير قطع توكُّله على الله واعتمد على غيره.
الثاني: أنه تعلق بأمر لا حقيقة له؛ فأي رابطة بين هذا الأمر وبين ما يحصل لك؟! وهذا لا شك أنه يُخلُّ بالتوحيد؛ لأن التوحيد عبادة واستعانة، قال تعالى: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾[الفاتحة: 5]، إذن فالطيرة محرمة وهي منافية للتوحيد.
أسباب التشاؤم والتطير: ذَكَر العلماء أسبابًا للتطير، منها:
1- ضعف اليقين والتوكلِ على الله تعالى الذي بيده مقاليد الأمور.
2- ضعف الإيمان وقلة ذكر الله عز وجل .
3- ضعف الإيمان بقضاء الله تعالى وقدره، وأن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه.
4- عدم استحضار نِعَم الله الكثيرة عليه، في نفسه وماله وأهله، قال صلى الله عليه وسلم : «مَنْ أَصْبَحَ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا»(3).
5- جعل الدنيا أكبر الهم، والغفلة عن الآخرة، قال صلى الله عليه وسلم : «مَنْ كَانَتِ الْآخِرَةُ هَمَّهُ جَعَلَ اللهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ، وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ، وَمَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ جَعَلَ اللهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهُ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا مَا قُدِّرَ لَهُ»(4).
6- الجهل وضعف العقل وقلة البصيرة.
آثاره ونتائجه:
1- أنه ينقص الإيمان، ويضعف اليقين، ويضادُّ التوكل، ويجعل صاحبه عبدًا للخرافات والخزعبلات.
2- أنه يفتح على العبد باب الوساوس على مصراعيه، فتضطرب نفسه، ويتبلبل فكره، ويصاب بالهوس، فيتمكن الشيطان منه.
3- أنه سبب لعمَى القلب وطمس البصيرة: فلا يزال الشيطان بهذا المسكين يجعله يذوق الحسرات ويشعر بالمرارة في كل أمره، قال الماوردي :: «اعلم أنه ليس شيء أضر بالرأي ولا أفسد للتدبير من اعتقاد الطيرة، ومن ظن أن خُوار بقرة أو نعيب غراب يرد قضاء أو يدفع مقدورًا فقد جهل».
4- أنه يجعل حياة صاحبه نكَدا وكدَرا وهمًّا وغمًّا؛ فالمتطير المتشائم متعَب القلب، منكدِر الصدر، كاسف البال، سيئ الخلق، ينزعج من كل ما يراه أو يسمعه، أشد الناس خوفًا، وأنكدهم عيشًا، وأضيقهم صدرًا، وأحزنهم قلبًا.
5- أنه نفق يقود إلى الشرك بالله تعالى، وهذه- بلا شك- أعظم أضرار التشاؤم.
6- يقضي على معاني المحبة والإخاء بين أبناء المجتمع ويزرع الشك والتنافر.
علاج التشاؤم:
من رحمة الله تعالى بعباده أنه ما أنزل من داء إلا جعل له دواء، ولا شك أن التشاؤم داء عظيم والواجب على من أصيب به أن يأخذ بأسباب دفعه وعلاجه، ونجمل بعضها فيما يلي:
1- الثقة بالله تعالى وصدق التوكل عليه، واطراح الوساوس والأوهام، وقطع دابرها واجتثاث أصولها، وعدم الالتفاف إليها بالكلية، والمضي في الشأن المقصود بعزم وحزم وقوة، فعن معاوية بن الحكم السُّلمي س أنه قال: قلت: يا رسول الله، إني حديث عهد بجاهلية، وقد جاء الله بالإسلام، وإن منا رجالًا يأتون الكُهَّان، قال: «فَلَا تَأْتِهِمْ»، قال: ومنا رجال يتطيَّرون، قال: «ذَاكَ شَيْءٌ يَجِدُونَهُ فِي صُدُورِهِمْ فَلَا يَصُدَّنَّهُمْ»(5).
قال الماوردي :: «ينبغي لمن مُني بالتطير أن يصرف عن نفسه دواعي الخيبة وذرائع الحرمان، ولا يجعل للشيطان سلطانًا في نقض عزائمه، ومعارضة خالقه، ويعلم أن قضاء الله تعالى عليه غالب، وأن رزقه له طالب، إلا أن الحركة سبب، فلا يثنيه عنها ما لا يضير مخلوقًا ولا يدفع مقدورًا، وليمض في عزائمه واثقًا بالله تعالى إن أعطَى، وراضيًا به إن منع».
2- اليقين أنه لا يقع شيء في هذا الكون إلا بقدر، وقد أكد الرسول صلى الله عليه وسلم  هذا المعنى بقوله لابن عباس رضي الله عنه : «وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ لَكَ، وَإِنِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الْأَقْلَامُ، وَجَفَّتِ الصُّحُفُ»»(6).
3- أن يقول الدعاءَ المشروع إذا حصل له تشاؤم بمرئي أو مسموع أو معلوم: فعن عبد الله بن عمرو ب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «مَنْ رَدَّتْهُ الطِّيَرَةُ مِنْ حَاجَةٍ فَقَدْ أَشْرَكَ»، قالوا: يا رسول الله، ما كفَّارة تلك؟ قال: «أَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمُ: اللَّهُمَّ لَا خَيْرَ إِلَّا خَيْرُكَ، وَلَا طَيْرَ إِلَّا طَيْرُكَ، وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ»(7).
4- استخارة الخالق، واستشارة المخلوق: فمن أكرمه الله تعالى بأن شرع له استخارته سبحانه في الأمور كلها، وفضَّله على كثير ممن خلق تفضيلًا فجعل له عقلا يزِن به الأمور، وأرشده إلى أن يستشير غيره ليجمع عقله إلى عقله، كيف يرضى لنفسه بعد ذلك أن يستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير فيستقسم بالأزلام، أو يتبرك ويتشاءم بالطيور السوانح والبوارح، أو يستدل بأرقام وأشكال على حوادث ستحصل؟! فهذا غاية القبح ومنتهى السفه؛ فعن جابر بن عبد الله ب قال: كان رسول الله عز وجل  يُعلِّم أصحابَه الاستخارةَ في الأمور كلها، كما يعلم السُّورةَ من القرآن(8). وفي المأثور: ما خاب من استخار، ولا ندم من استشار.
5- احتساب الأجر العظيم الذي يناله المتوكلون، واستحضار الثواب الجزيل المعَدِّ للذين لا يتطيرون، فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم  أصحابه أن سبعين ألفًا يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب وبيَّن لهم صفتَهم بأنهم: «لَا يَسْتَرْقُونَ وَلَا يَتَطَيَّرُونَ وَلَا يَكْتَوُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ»(9).
أسأل الله أن يَصرِف عنك السُّوء وأن يحملك في أحمد الأمور عنده وأجملها عاقبة. والله تعالى أعلى وأعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أخرجه أحمد في «مسنده» (1/389) حديث (3687)، وأبو داود في كتاب «الطب» باب «في الطيرة» حديث (3910)، والترمذي في كتاب «السير» باب «ما جاء في الطيرة» حديث (1614) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه , وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح»، وذكره الألباني في «السلسلة الصحيحة» حديث (429).
(2) متفق عليه أخرجه البخاري في كتاب «الطب» باب «الطيرة» حديث (5753)، ومسلم في كتاب «السلام» باب «الطيرة والفأل وما يكون فيه من الشؤم» حديث (2225) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه .
(3) أخرجه الترمذي في كتاب «الزهد» باب «في التوكل على الله» حديث (2346)، وابن ماجه في كتاب «الزهد» باب «القناعة» حديث (4141)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (7/294) حديث (10362)، من حديث عبد الله بن محصن رضي الله عنه ، وقال الترمذي: «حديث حسن غريب»، وقال البيهقي: «هذا أصح ما روى في هذا الباب»، وذكره الألباني في «السلسلة الصحيحة» حديث (2318).
(4) أخرجه الترمذي في كتاب «صفة القيامة والرقائق والورع» باب «ما جاء في صفة أواني الحوض» حديث (2465) من حديث أنس بن مالك t. وذكره الألباني في «السلسلة الصحيحة» حديث (949).
(5) أخرجه مسلم في كتاب «المساجد ومواضع الصلاة» باب «تحريم الكلام في الصلاة ونسخ ما كان من إباحته» حديث (537).
(6) أخرجه أحمد في «مسنده» (1/293) حديث (2669)، والترمذي في كتاب «صفة القيامة والرقائق والورع» باب « ما جاء في صفة أواني الحوض» حديث (2516) وقال: «حديث حسن صحيح», وصححه الألباني في «مشكاة المصابيح» حديث (5302).
(7) أخرجه أحمد في «مسنده» (2/220) حديث (7045)، وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (5/105) وقال: «رواه أحمد وفيه ابن لهيعة وحديثه حسن وفيه ضعف وبقية رجاله ثقات»، وذكره الألباني في «السلسلة الصحيحة» حديث (1065).
(8) أخرجه البخاري في كتاب «الدعوات» باب «الدعاء عند الاستخارة» حديث (1166)، بلفظ: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم  يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كالسورة من القرآن؛ يقول: «إِذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالْأَمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَينِ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ ثُمَّ لِيَقُل: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ، وَأسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ العَظِيم؛ فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلا أقْدِرُ، وتَعْلَمُ ولا أعْلَمُ، وَأَنْتَ عَلَّامُ الغُيُوبِ؛ اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذا الأمْرَ خَيْرٌ لِي في دِيْنِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أمْرِي- أو قال: عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ- فَاقْدُرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ لِي ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيه؛ وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ شَرٌّ لِي فِي دِيْنِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي- أو قال: عاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ- فَاصْرِفْهُ عَنِّي وَاصْرِفْنِي عَنْهُ، وَاقْدُرْ لِيَ الخَيْرَ حَيْثُ كان، ثُمَّ رَضِّنِي بِه. قال: وَيُسَمِّي حاجَتَهُ».
(9) متفق عليه أخرجه البخاري في كتاب «الطب» باب «من لم يرق» حديث (5752)، ومسلم في كتاب «الإيمان» باب «الدليل على دخول طوائف من المسلمين الجنة بغير حساب ولا عذاب» حديث (220) من حديث ابن عباس رضي الله عنه .

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend