السؤال
ما حكم التبرك بآثار الصالحين أحياءً وأمواتًا؟ والتبرُّك بقبور الصالحين والصلاة عندها، أو الدعاء عندها؟ أفتونا مأجورين.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فإن الأصل في كل ذلك التَّوقيفُ، فما صحَّ به الخبرُ قلنا به وعلى العين والرأس، وما لم يصحَّ به الخبرُ فينبغي التحوُّط في هذا الباب حمايةً لجناب التوحيد، وقطعًا للذرائع إلى الشرك.
ففي التبرك بآثار الصالحين يفرق بين التبرُّك بالنبي صلى الله عليه وسلم والتبرك بغيره:
أما التبرك بالنبي صلى الله عليه وسلم كالتبرُّك بما مس جسدُه الشريف عليه الصلاة والسلام من وضوءٍ أو عَرَقٍ أو شَعرٍ ونحو ذلك، فهو أمرٌ معروف وجائز عند الصحابة رضي الله عنهم، وأتباعهم بإحسان، لما في ذلك من الخيرِ والبركة، وقد أقرهم النبي صلى الله عليه وسلم عليه.
أما التبرُّك بآثار غيره من الصالحين فقد نُقلت فيه آثار عن بعض المنتسبين إلى العلم، قياسًا على التبرُّك بالنبي صلى الله عليه وسلم، باعتبار ما ورثوه من علمِه ومن عبادته صلى الله عليه وسلم، وإن صحَّت هذه الآثار فإنه يُمكن القول بأنها مسألة اجتهادية، وإن كان الحزمُ والاحتياط تركُ ذلك حمايةً لجناب التوحيد، وقطعًا للذريعة إلى الشِّرك، واقتداءً بصحابة النبي صلى الله عليه وسلم، حيث لم يتبرَّك الصحابةُ رضي الله عنهم بأحدٍ منهم، لا في حياته ولا بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، لا مع الخلفاء الراشدين ولا مع غيرهم؛ فدلَّ ذلك على أنهم قد عرَفُوا أن ذلك خاصٌّ بالنبي صلى الله عليه وسلم دون غيره.
قال الإمام الشاطبي في «الاعتصام» بعد أن أشارَ إلى ثُبوت تبرُّك الصحابة رضي الله عنهم بالنبيِّ صلى الله عيه وسلم وبآثاره: «الصحابة رضي الله عنهم بعد موته عليه الصلاة والسلام لم يقع من أحد منهم شيءٌ من ذلك بالنسبة إلى من خلفه، إذ لم يترك النبيُّ صلى الله عيه وسلم بعدَه في الأمة أفضلَ من أبي بكر الصديق رضي الله عنه، فهو كان خَليفتَه، ولم يفعل به شيءٌ من ذلك، ولا عمر رضي الله عنه، وهو كان أفضل الأمة بعده، ثم كذلك عثمان، ثم علي، ثم سائر الصحابة الذين لا أحدَ أفضلُ منهم في الأمة، ثم لم يثبت لواحد منهم من طريقٍ صحيح معروف أن متبركاً تبرَّك به على أحد تلك الوجوه أو نحوها- يقصد التبرُّك بالشعر والثياب وفضل الوضوء ونحو ذلك- بل اقتصروا فيهم على الاقتداء بالأفعال والأقوال، والسير التي اتبعوا فيها النبيَّ صلى الله عيه وسلم، فهو إذًا كالإجماع منهم على ترك تلك الأشياء»([1]).
وأما التبرُّك بالقبور فلا أعرف له أصلًا في الشرع المطهر؛ وإن نُقل عن بعض المنتسبين إلى العلم أو التنسُّك، ويخشى أن يكون من ذرائعِ الشرك، بل هو من هذه الذرائع، وإذا تردَّد الأمرُ بين كونه سنة وكونه بدعةً فتركُه أولى.
أما الصلاة عند القبور واتخاذُها مساجدَ فقد ثبت النهيُ عنه في جملة من الأحاديث الصحيحة والصريحة، ومن ذلك حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي لم يقم منه: «لَعَنَ اللهُ اليَهُودَ اتَّخَذُوا قُبُورَ أنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ». قالت: فلولا ذاك أبرز قبرَه غير أنه خُشي أن يتخذ مسجدًا([2]).
وحديث جندب بن عبد الله: «أَلَا وَإِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانُوا يَتَّخِذُونَ قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ وَصَالِحِيهِمْ مَسَاجِدَ، أَلَا فَلَا تَتَّخِذُوا الْقُبُورَ مَسَاجِدَ إِنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ»([3]).
والخير كلُّ الخير في الاتباع، والشرُّ كل الشر في الابتداع. والله تعالى أعلى وأعلم.
____________________
([2]) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب «الجنائز» باب «ما جاء في قبر النبي صلى الله عليه وسلم» حديث (1390)، ومسلم في كتاب «المساجد ومواضع الصلاة» باب «النهي عن بناء المساجد على القبور واتخاذ الصور فيها والنهي عن اتخاذ القبور مساجد» حديث (529).
([3]) أخرجه مسلم في كتاب «المساجد ومواضع الصلاة» باب «النهي عن بناء المساجد على القبور واتخاذ الصور فيها والنهي عن اتخاذ القبور مساجد» حديث (532).