هل يكفي تلفظ الشهادتين بلغة المهتدي غير العربية، مثلًا بالصيغة التالية:
«bear witness that there is no deity except God and that Muhammad is His messenger»?
علمًا بأن القاموس الإنكليزي يعرف كلمة «God» بحرف «G» المكبر غير المصغر «g» أنه خالقُ الكون العليم القدير ذو صفات الكمال الذي يعبده أصحاب الأديان المُوحِّدة، طبعًا هذا غير مفهوم في النطق دون شرح، ولكن شهادة «محمد رسول الله» يوضح ما يقصده بكلمة «God». جزاك الله خيرًا.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فإنه لا يتوقف الشهادة بالإسلام لمن لا ينطق العربية عند أهل العلم على النطق بالشهادتين باللغة العربية، بل إذا جاء بلغته بما يُفيد إقراره لله بالوحدانية ولمحمد بالرسالة إقرارًا التزاميًّا يقصد به الإجابة إلى الإيمان والدخول في الإسلام- ثبت له بذلك عقد الإسلام إجماعًا، ولكن يجب عليه تعلمهما بالعربية ونطقه بهما في أول ما يتعلمه من شرائع الدين بعد ذلك؛ لأنهما جزء من التشهد الواجب في الصلاة، وهي الركن الثاني من أركان الإسلام بعد التوحيد، وأول ما يجب عليه بعد النطق بالشهادتين.
ومن الأدلة على ذلك ما يلي:
ما جاء في الصحيحين من حديث المقداد، أنه قال: يا رسول الله، إني لقيت كافرًا فاقتتلنا، فضرب يدي بالسيف فقطعها، ثم لاذ مني بشجرة، وقال: أسلمت لله، آقتله بعد أن قالها؟ قال رسول الله ﷺ: «لَا تَقْتُلْهُ». قال: يا رسول الله؛ فإنه طرح إحدى يَدَيَّ ثم قال ذلك بعدما قطعها. آقتله؟ قال: «لَا تَقْتُلْهُ؛ فَإِنْ قَتَلْتَهُ فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَتِكَ قَبْلَ أَنْ تَقْتُلَهُ، وَأَنْتَ بِمَنْزِلَتِهِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ كَلِمَتَهُ الَّتِي قَالَ»(1).
ما في «صحيح مسلم»: عن عِمْران بن حُصَيْن قال: كانت ثَقِيف حلفاء لبني عقيل، فأَسَرَتْ ثقيفٌ رجلين من أصحاب رسول الله ﷺ، وأسر أصحاب رسول الله ﷺ رجلًا من بني عقيل وأصابوا معه العضباء(2)، فأتى عليه رسولُ الله ﷺ وهو في الوثاق، قال: يا محمد. فأتاه فقال: «مَا شَأْنُكَ؟». فقال: بِمَ أخذتني؟ وبم أخذتَ سابقةَ الحاجِّ؟ فقال: «إِعْظَامًا لِذَلِكَ أَخَذْتُكَ بِجَرِيرَةِ حُلَفَائِكَ ثَقِيفٍ». ثم انصرف عنه، فناداه فقال: يا محمد، يا محمد. وكان رسول الله ﷺ رحيمًا رقيقًا، فرجع إليه فقال: «مَا شَأْنُكَ؟». قال: إني مسلم. قال: «لَوْ قُلْتَهَا وَأَنْتَ تَمْلِكُ أَمْرَكَ أَفْلَحْتَ كُلَّ الْفَلَاحِ». ولم يشترط عليه لحصول هذا الفلاح النطق بالشهادتين(3).
يقول النووي في التعليق على ذلك: «وأما إذ أسلمتَ بعد الأسر فيسقط الخيار في قَتْلك، ويبقى الخيار بين الاسترقاق والمنِّ والفِداء، وفي هذا جوازُ المفاداة، وإن إسلام الأسير لا يُسقط حقَّ الغانمين منه بخلاف ما لو أسلم قبل الأسر»(4).
ما جاء في «صحيح البخاري»: عن سالم، عن أبيه قال: بعث النبي ﷺ خالد بن الوليد إلى بني حُذَيفة، فلم يُحسنوا أن يقولوا: أسلمنا، فقالوا: صَبَأنا، صبأنا. فجعل خالدٌ يقتل ويأسر، ودفع إلى كلِّ رجلٍ منا أسيره، فأَمَر كلَّ رجلٍ منا أن يقتل أسيره. فقلت: والله لا أقتل أسيري، ولا يقتل رجلٌ من أصحابي أسيره. فذكرنا ذلك إلى النبي ﷺ فقال: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ» مرتين(5). فاعتبرهم مسلمين بالكلام الذي قالوه؛ لأن مشركي العرب كانوا يصفون مَن أسلم بأنه قد صبأ.
قال ابن قُدَامة: «وإن قال: أنا مؤمن أو أنا مسلم. فقال القاضي: يُحكَم بإسلامه بهذا، وإن لم يَلفِظْ بالشهادتين؛ لأنهما اسمان لشيء معلوم معروف وهو الشهادتان، فإذا أخبر عن نفسه بما تضمن الشهادتين، كان مخبرًا بهما»(6).
وقال الموصلي الحنفي في «الاختيار»: «فصل: فيما يصير به الكافر مسلمًا. والأصل فيه أن الكافر إذا أقر بخلاف ما اعتقده حُكِم بإسلامه، فمن ينكر الوحدانية، كالثنوية وعبدة الأوثان والمشركين والمانوية، إذا قال: لا إله إلا الله، أو قال: أشهد أن محمدًا رسول الله، أو قال: أسلمت أو آمنت بالله، أو: أنا على دين الإسلام، أو على الحنيفية- فهذا كله إسلام»(7).
وما قررناه سلفًا لا يمنع من تلقين المسلمين الجدد النطق بالشهادتين باللغة العربية على ما يُطيقون، بل يَحسُن ذلك؛ لما يحمله من إشارة لهم إلى أهمية اللغة العربية، وأن تعلُّمَها من شعائر الإسلام، وأن القرآن بلسان عربي، فهو اللفظ العربي المُنزَّل على محمد ﷺ، وأن ترجمات القرآن ليست بقرآنٍ ولكنها بمثابة تفسير مختصر له، وأنه لابد أن يتعلم منه ما تصح به صلاته، وأن يتعلم النطق بالشهادتين لأنهما جزء من التشهُّد، وهو أحد أركان الصلاة.
فضلًا عما يحمله ذلك من تعميق للهوية الإسلامية الجديدة التي شرَّفه الله بها، واستنقذه الله بها من الضلالة، فلا مانع من تلقينه النطق بالشهادتين بالعربية، والصبر عليه في ذلك، وتشجيعه، والتغاضي عن بعض لحنه في النطق بها، ولكن الحديث كان: هل يعد هذا شرطًا للحكم بإسلامه؟ والجواب المقطوع به أنه: هذا ليس بشرط.
أما فيما يتعلق بالجانب اللغوي في كلمة «god»، فمردُّ الأمر فيه إلى أهل اللغة؛ فإن كانت هذه الكلمة مُوهِمة، ولا تحمل الدلالة على لفظ الجلالة كما يفهمه المسلمون، فينبغي أن يُلقَّن أن يقول: «الله» بدلًا من هذه الكلمة؛ إذ لا يشق على المسلم الجديد أن ينطق بالشهادة على هذا النحو:
«I bear witness that there is no deity except ALLAH and that Muhammad is His messenger».
والله تعالى أعلى وأعلم.
______________________
(1) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب «المغازي» باب «شهود الملائكة بدرًا» حديث (4019)، ومسلم في كتاب «الإيمان» باب «تحريم قتل الكافر بعد أن قال: لا إله إلا الله» حديث (95).
(2) ناقة رسول الله ﷺ.
(3) أخرجه مسلم في كتاب «النذر» باب «لا وفاء لنذر في معصية الله» حديث (1641).
(4) «شرح النووي على صحيح مسلم» (11/100).
(5) أخرجه البخاري في كتاب «المغازي» باب «بعث النبي ﷺ خالد بن الوليد إلى بني جذيمة» حديث (4339).
(6) «المغني» (9/21-22).
(7) «الاختيار» (4/150).