ما هي حكاية الشيخ الذي تبنَّى فكرةَ علمانية الدولة الإسلامية، وأنكر الخلافة الإسلامية، وأدانه الأزهر في حينها، وأخرجه من زمرة العلماء؟
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فهذا هو الشيخ علي عبد الرازق، القاضي الشرعي بمحكمة المنصورة، وقد أصدر عام 1925 كتاب «الإسلام وأصول الحكم» الذي دعا فيه إلى فصل الدين عن السياسة، ويُعَدُّ كتابه هذا أول دراسة يقوم بها شيخ أزهري تؤسس للفكرة العلمانية داخل الوسط الإسلامي.
وكان توقيت صدور الكتاب مريبًا، فقد نُشر الكتاب في نفس فترة سقوط الخلافة العثمانية وبداية الدولة الأتاتركية، وقد رَدَّ عليه لفيفٌ من العلماء يومئذ في مقدمتهم شيخ الجامع الأزهر يومها الشيخ: محمد الخضر حسين. في كتابه «نقض كتاب الإسلام وأصول الحكم»، والطاهر بن عاشور في كتابه: «نقد علمي لكتاب الإسلام وأصول الحكم»، والشيخ محمد بخيت المطيعي في كتابه: «حقيقة الإسلام وأصول الحكم».
هذا. وقد عقدت له محاكمة من قبل هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، ووجهت إليه التُّهم التالية وفقًا لما جاء في قرار الهيئة:
1- جعل الشريعة الإسلامية شريعة رُوحية محضة؛ لا علاقة لها بالحكم والتنفيذ في أمور الدنيا.
2- وإن الدين لا يمنع من أن جهاد النبي صلى الله عليه وسلم كان في سبيل الملك، لا في سبيل الدين، ولا لإبلاغ الدعوة إلى العالمين.
3- وإن نظام الحكم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان موضوع غموض وإبهام؛ أو اضطراب؛ أو نقص؛ وموجبًا للحيرة.
4- وإن مهمة النبي صلى الله عليه وسلم كانت بلاغًا للشريعة مجردًا عن الحكم والتنفيذ.
5- وإنكار إجماع الصحابة على وجوب نصبِ الإمام، وعلى أنه لابد للأمة ممن يقوم بأمرها في الدين والدنيا.
6- وإنكار أن القضاءَ وظيفة شرعية.
7- وأن حكومة أبي بكر والخلفاء الراشدين من بعده رضي الله عنهم كانت لا دينية.
وقد ردت عليه هيئة كبار العلماء ردًّا مفصلًا في ذلك كله، وانتهت إلى ثبوت هذه التهم في حقه، ثم أصدرت هذا القرار:
(ومن حيث إنه تبين مما تقدم أن التُّهم الموجهة ضد الشيخ علي عبد الرازق ثابتة عليه، وهي مما لا يناسب وصف العالمية وفاقًا للمادة (101) من القانون رقم 10 سنة 1911م ونصها:
إذا وقع من أحد العلماء أيًّا كانت وظيفته؛ أو مهنته- ما لا يناسب وصف العالمية يحكم عليه من شيخ الجامع الأزهر بإجماع تسعة عشر عالمًا معه من هيئة كبار العلماء المنصوص عليه من الباب السابع من هذا القانون، بإخراجه من زمرة العلماء. ولا يقبل الطعن في هذا الحكم، ويترتب على الحكم المذكور محوُ اسم المحكوم عليه من سجلات الجامع الأزهر، والمعاهد الأخرى وطرده، من كل وظيفة، وقطع مرتباته في أي جهة كانت، وعدم أهليته للقيام بأية وظيفة عمومية دينية كانت أو غير دينية.
فبناء على هذه الأسباب:
حكمنا نحن شيخ الجامع الأزهر بإجماع أربعة وعشرين عالمًا معنا من هيئة كبار العلماء، بإخراج الشيخ علي عبد الرازق أحد علماء الجامع الأزهر والقاضي الشرعي بمحكمة المنصورة الابتدائية الشرعية ومؤلف كتاب «الإسلام وأصول الحكم» من زمرة العلماء.
صدر هذا الحكم بدار الإدارة العامة للمعاهد الدينية في يوم الأربعاء 22 المحرم سنة 1344هـ 12 أغسطس سنة 1925م. شيخ الجامع الأزهر).
هذه هي قصته، وقد ذكر كثيرٌ من المحققين أن الكتاب هو في الأصل للمستشرق اليهودي مرجليوث، الذي كان أستاذًا للغة الغربية في أكسفورد ببريطانيا، وأنه ليس للشيخ منه إلا إعادة تحرير بعض مواضعه ووضع اسمه عليه.
يقول الأستاذ أنور الجندي: «كتاب الإسلام وأصول الحكم ليس من تأليف علي عبد الرازق، بل من تأليف مرجليوث».
كان السؤال عن دعوى علي عبد الرازق في كتابه «الإسلام وأصول الحكم» التي لا تزال قوى التغريب والغزو الثقافي والماركسيون والشعوبيون تُجدِّد نشرها؛ لخداع جماهير المسلمين عن حقيقة دينهم، وإذاعة مفهوم الدين العبادي القائم على الروحيات والمساجد، وإنكار حقيقة الإسلام بوصفه دينًا ومنهج حياة، ونظام مجتمع.
ويقوم الادعاء الخبيث الذي يثيره الاستشراق والشعوبية على أن في الإسلام مذهبين: أحدهما يقول: بأن الإسلام دين ودولة. والآخر يقول: بأن الإسلام دين روحي. ويضعون علي عبد الرازق على رأس الفريق الذي يقول هذا القول.
والواقع أن الإسلام ليس فيه غير رأي واحد، هو الرأي الأول، وأن ما ذهب إليه علي عبد الرازق عام 1925م لم يكن من الإسلام في شيء، ولم يكن علي عبد الرازق نفسه إمامًا مجتهدًا، وإنما كان قاضيًا شرعيًّا تلقفته قُوى التغريب فاصطنعته تحت اسم (التجديد).
ودُعي علي عبد الرازق إلى لندن لحضور حلقات الاستشراق التي تروج للأفكار المعارضة لحقيقة الإسلام وهدم مقوماته، وأهدي إليه هذا الكتاب الذي وضع عليه اسمه مترجمًا إلى اللغة العربية، وطُلب إليه أن يضيف إلى مادته بعض النصوص العربية التي يستطيع اقتباسها من كتب الأدب.
أما الكتاب نفسه فكان من تأليف قرم من أقرام الاستشراق، وداهية من رجال الصهيونية واليهودية العالمية، وهو (مرجليوث) الذي تقضي الصُّدف أن يكون صاحبَ الأصل الذي نقل عنه طه حسين بحثَه عن (الشعر الجاهلي) والذي أطلق عليه محمود محمد شاكر: (حاشية طه حسين على بحث مرجليوث).
ويمكن أن نطلق الآن اسم (حاشية علي عبد الرازق على بحث مرجليوث)، وقد كشف هذه الحقيقة الدكتور ضياء الدين الريس في بحثه القيم «الإسلام والخلافة في العصر الحديث».
وقد ذكر بعض أهل العلم أن الشيخ تراجع عن هذا في آخر حياتِه، وقد جاء في مجلة «رسالة الإسلام» عدد مايو سنة 1951م: (وصف الشيخ علي عبد الرازق تلفظه بعبارة «الإسلام مجرد رسالة روحية» بأنها عبارة ألقاها الشيطان على لسانه، وللشيطان أحيانًا كلمات يلقيها على ألسنة بعض الناس).
وهذا الذي نحبه له، ونرجو أن يكون قد وُفِّق إليه ومات عليه، فإن استحياء النفوس بالتوبة والرجوع إلى الحق أحبُّ إلينا من هلاكها على ضلالها ومحادتها لله ورسوله.
اللهم أبرم لهذه الأمة أمرَ رشد يُعز فيه أهل طاعتك، ويتاب فيه على أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر، اللهم آمين. والله تعالى أعلى وأعلم.
حكاية الشيخ العلماني الذي أدانه الأزهر وأخرجه من زمرة العلماء
تاريخ النشر : 24 يناير, 2025
التصنيفات الموضوعية: 09 آداب العلم وطرق تحصيله
فتاوى ذات صلة:
