القدح في أبي حنيفة رحمه الله

حدثنا نعيم بن حماد قال: حدثنا الفزاري قال: كنت عند سفيان فنعى النعمان فقال: الحمد لله، كان ينقض الإسلام عُروة، ما وُلد في الإسلام أشأم منه. «تاريخ الصغير».
وحدثني إبراهيم بن سعيد الجوهري، نا أبو توبة، عن أبي إسحاق الفزاري قال: كان أبو حنيفة يقول: إيمان إبليس وإيمان أبي بكر الصديق رضي الله عنه واحد؛ قال أبو بكر: يا رب. وقال إبليس: يا رب. «السنة».
قال ابن أبي حاتم :: ثنا أحمد بن سنان الواسطي قال: سمعت محمد بن إدريس الشافعي يقول: ما أشبه رأي أبي حنيفة إلا بخيط سحَّارة تمدُّه هكذا فيجيء أحمر وتمده هكذا فيجيء أخضر. «مناقب الشافعى».
وقال جعفر: حدثنا الحسن بن علي الحلواني قال: سمعت مطرفًا يقول: سمعت مالكًا يقول: الداء العضال الهلاكُ في الدين، وأبو حنيفة من الداء العضال.

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فأبدأ بإيراد هذه الكلمة للتاج السبكي لتتأملها ثم أعقبها بتعليقي على سؤالك: «ينبغي لك أيها المسترشد أن تسلك سبيل الأدب مع الأئمة الماضين، وألا تنظر إلى كلام بعضهم في بعض إلا إذا أتى ببرهان واضح، ثم إن قدرت على التأويل وحسن الظن فدونك، وإلا فاضرب صفحًا عما جرى بينهم؛ فإنك لم تُخلَق لهذا، فاشتغل بما يعنيك ودَعْ ما لا يعنيك، ولا يزال طالب العلم عندي نبيلًا حتى يخوض فيما جرى بين السلف الماضين ويقضي لبعضهم على بعض.
فإياك ثم إياك أن تُصغي إلى ما اتفق بين أبي حنيفة وسفيان الثوري، أو بين مالك وابن أبي ذئب، أو بين أحمد بن صالح والنسائي، أو بين أحمد والحارث بن أسد المحاسبي.
ففي كل زمن هناك شيء من تغاير العلم، ومن طبيعة البشر بين بعض العلماء، ولكنهم نسور في الفضاء ونحن أفراخ على الأرض، وهَلُمَّ جرًّا إلى زمن العز بن عبد السلام، والتقي ابن الصلاح؛ فإنك إذا اشتغلت بذلك خشيت عليك الهلاك، فالقوم أئمة أعلام، ولأقوالهم محامل، وربما لم تفهم بعضها، فليس لك إلا الترضي عنهم، والسكوت عما جرى بينهم، كما نقول فيما جرى بين الصحابة رضي الله عنه »(1).
أي: نقول بقوله تعالى: ﴿تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [البقرة: 134]
وبعد، فلا يقع في أبي حنيفة إلا جاهل أو حاسد، والأسانيد التي نقلت بها أقوال الطاعنين فيه لا تخلو من مقالٍ، واسمع ثناء الأئمة عليه ::
عن يحيى بن مَعِين قال: سمعت يحيى القطان يقول: جالَسْنا والله أبا حنيفة وسمعنا منه، وكنت والله إذا نظرت إليه عرفت في وجهه أنه يتقي الله عز و جل (2).
ويحيى بن معين هو إمام الجرح والتعديل.
وقال سفيان بن عيينة: ما قَدِم مكةَ رجلٌ في وقتنا أكثر صلاةً من أبي حنيفة(3).
وروى الخطيبُ بسنده أبياتًا مدح فيها ابن المبارك أبا حنيفة : فقال:

  • رأيت أبا حنيفة كلَّ يوم
  •  يزيد نبالةً ويزيد خيرًا
  • وينطق بالصواب ويصطفيه
  •  إذا ما قال أهلُ الجور جَوْرًا
  • يُقايس ما يُقايسه بِلُبٍّ
  •  فمن ذا يجعلون له نظيرًا
  • كفانا فَقْدَ حماد(4) وكانت
  •  مُصيبتُنا به أمرًا كبيرًا
  • فرد شماتة الأعداء عنا
  •  وأبدى بعده علمًا كثيرًا
  • رأيت أبا حنيفة حين يُؤتى
  •  ويُطلَب علمُه بحرًا غزيرًا
  • إذا ما المشكلات تدافعتها
  •  رجال العلم كان بها بصيرًا(5)

 

 

فهذا من مدح عبد الله بن المبارك إمام المسلمين لأبي حنيفة :.
أرجو أن يكون لك في هذه النقول كفاية، وأن تشتغل بما يعنيك بارك الله فيك. والله تعالى أعلى وأعلم.

_________________________

(1) «طبقات الشافعية الكبرى» للسبكي (2/278).

(2) مناقب أبي حنيفة» للخطيب البغدادي (13/352).

(3) «مناقب أبي حنيفة» للخطيب البغدادي (13/353

(4) هو حماد بن أبي سليمان شيخ أبي حنيفة.

(5) ذكره الخطيب البغدادي في «تاريخ بغداد» (13/350).

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   09 آداب العلم وطرق تحصيله

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend