إني أحبكم في الله، أما بعد: فإني أرجو من فضيلتكم أن تجيبوا على هذا السؤال الذي لا يمثل أهمية إلا لي فقط، أنا طالب بكلية الطب وأتمنى أن ألتزم ولكني لا أعرف البداية الصحيحة للالتزام؛ فمعظم أصدقائي الذين التزموا رسبوا في دراستهم لكثرة اهتمامهم بالعلم الشرعي على الطب، فأصبحت أخلاقهم غريبة، لذا فأنا أرجو من فضيلتكم أن تضع لي منهجًا سليمًا أسير عليه حتى لا أقع في نفس الفخ الذي وقع فيه أصدقائي؟ وكيف أوفق بين دراستي وبين التزامي؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
أحبكم الله الذي أحببتموني فيه، وتأكد يا بني أننا لا نحتقر سؤالًا مهما بدا يسيرًا أو معادًا ومكررًا، ونحن نحيي فيك همتك ورغبتك الصادقة في الاستقامة، وتأكد أن الله جل وعلا مُطَّلع على السرائر وعندما يعلم من عبد من عباده صدق الرغبة في الرجوع إليه وحرارة التضرع إليه فإن الله يرشده ويهديه ولا يتركه يتخبط في متاهات الحيرة، فهو أرحم بنا من آبائنا وأمهاتنا(1).
اعلم يا بني أن عليك أن تبدأ بتعلم فروض العَيْن وهي التي تجب على كل مسلم على سبيل التعيين، وأولها التوحيد ثم بقية الفرائض، واختر لذلك رفقة صالحة وشيخًا صالحًا يعينك على ذلك.
واعلم أنه لا يوجد تعارض بين طلب العلم الشرعي والتفوق الدراسي، بل على النقيض من ذلك نريدك متفوقًا في دراستك لينفع الله بك حيثما كنت، فـ«الْـمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى الله مِنْ الْـمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ»(2)، وعلم الطب بصفة خاصة له منزلته السامية في شريعتنا، حتى قال الشافعي :: «العلم علمان، علم الأديان وعلم الأبدان»(3). وقال: «لا أعلم علمًا بعد الحلال والحرام أنبل من الطب»(4).
وعمومًا ننصحك بالمساجد التي تُعنَى بنشر السنة على الجملة، واحرص على طلب العلم النافع من مظانه، واصبر نفسك على ذلك، والله من وراء القصد. والله تعالى أعلى وأعلم.
____________________
(1) قال تعالى: ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾ [الأعراف: 156].
(2) أخرجه مسلم في كتاب «القدر» باب «في الأمر بالقوة وترك العجز والاستعانة» حديث (2664) من حديث أبي هريرة t.
(3) أخرجه أبو نعيم في «حلية الأولياء» (9/142).
(4) ذكره الذهبي في «سير أعلام النبلاء» (10/57).