شيخنا الفاضل، يُكثِر بعض الأخوة من طلبة العلم في هذه الأيام من معارك الشام العظيمة بعضَ الأحاديث وينزلونها على واقعنا المعاصر، ومن هذه الأحاديث ما أخرجه ابن حبان والحاكم عن ذي مخبر، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «تُصَالِـحُونَ الرُّومَ صُلْحًا آمِنًا حَتَّى تَغْزُوا أَنْتُمْ وَهُمْ عَدُوًّا مِنْ وَرَائِهِمْ فَتُنْصَرُونَ وَتَغْنَمُونَ وَتَنْصَرِفُونَ حَتَّى تَنْزِلُوا بِمَرْجٍ ذِي تُلُولٍ، فَيَقُولُ قَائِلٌ مِنَ الرُّومِ: غَلَبَ الصَّلِيبُ. وَيَقُولُ قَائِلٌ مِنَ الْـمُسْلِمِينَ: بَلِ اللهُ غَلَبَ. فَيَثُورُ الْـمُسْلِمُ إِِلَى صَلِيبِهِمْ وَهُوَ مِنْهُ غَيْرُ بَعِيدٍ فَيَدُقُّهُ، وَتَثُورُ الرُّومُ إِِلَى كَاسِرِ صَلِيبِهِمْ فَيَضْرِبُونَ عُنُقَهُ، وَيَثُورُ الْـمُسْلِمُونَ إِِلَى أَسْلِحَتِهِمْ فَيَقْتَتِلُونَ، فَيُكْرِمُ اللهُ تِلْكَ الْعِصَابَةَ مِنَ الْـمُسْلِمِينَ بِالشَّهَادَةِ، فَتَقُولُ الرُّومُ لِصَاحِبِ الرُّومِ: كَفَيْنَاكَ الْعَرَبَ. فَيَجْتَمِعُونَ لِلْمَلْحَمَةِ فَيَأْتُونَكُمْ تَحْتَ ثَمَانِينَ غَايَةً تَحْتَ كُلِّ غَايَةٍ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا»(1).
شيخنا الفاضل:هل يصحُّ تنزيلُ هذا الحديث وأمثاله على واقعنا المعاصر، أم أنه من أحاديث أشراط الساعة؟ أرجو الإفادة وجزاكم الله خيرًا.
__________________
(1) أخرجه أبو داود في كتاب «الملاحم» باب «ما يذكر من ملاحم الروم» حديث (4292)، وابن حبان في «صحيحه» (15/101) حديث (6708)، والحاكم في «مستدركه» (4/467) حديث (8298)، وقال الحاكم: «هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه».
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فإن من الخطورة بمكان الجزمُ بتأويل هذه النصوص، وتحقيق مناطاتها في أحداث معينة، وقصارى الأمر أن يكونَ قولهم في ذلك من قبيل التوسُّم، وأن يساق على سبيل الاستئناس، كما قال تعالى: { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ} [الحجر: 75]، وقد وقع في هذا الخلل من اقتحموا الحرمَ المكيَّ في مطلع هذا القرن، ثم أفاقوا على كارثة استأصلتهم جميعًا. فنسأل الله لنا ولكم العافية. والله تعالى أعلى وأعلم.