حول مآل والدي النبي صلى الله عليه وسلم

هل والدا الرسول صلى الله عليه وسلم ماتا على الكفر وسيدخلان النار؟

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فإن القول في هذه القضية فرعٌ عن القولِ في أهل الفَتْرَة، والفترة هي ما بين النبيَّيْنِ، وهي تعبير قرآني، فقد جاء في سورة المائدة قوله تعالى:  يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَىٰ فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ ۖ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ ۗ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ[المائدة: 19].
وأهل الفترة منهم من بلغته الدعوةُ ومنهم من لم تبلغه؛ فمن لم تبلغه الدعوة منهم لأهل العلم في مآلهم أقوال، أظهرها أنهم يُمْتحنون في عرصات يوم القيامة، والله أعلم بما كانوا عاملين، ومن بلغته الدعوة منهم من اجتنب الشرك وكان من الموحدين، كقِسِّ بن ساعدة، وزيد بن عمرو بن نفيل، ومنهم من بلغته الدعوة ولكنه بدَّلَ وغيَّرَ وأشرك بالله ما لم ينزل به سلطانًا، كعمرو بن لُحي الخزاعي، والذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: «رَأَيْتُ عَمْرَو بْنَ عَامِرٍ بْنِ لُـحَيٍّ الْـخُزَاعِيَّ يَجُرُّ قَصَبَهُ فِي النَّارِ»(1).
وقد صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أن أباه في النار، ففي «صحيح مسلم» أن رجلًا قال: يا رسول الله، أين أبي؟ قال: «فِي النَّارِ». فلما قضى دعاه فقال: «إِنَّ أَبِي وَأَبَاكَ فِي النَّارِ»(2). وفيه أيضًا قوله عليه الصلاة والسلام: «اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لِأُمِّي فَلَمْ يَأْذَنْ لِي، وَاسْتَأْذَنْتُهُ أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأَذِنَ لِي»(3).
يقول النووي رحمه الله في شرحه للحديث الأول: «قوله: (إن رجلًا قال: يا رسول الله، أين أبي؟ قال: «فِي النَّارِ»، فلما قضى دعاه فقال: «إِنَّ أَبِي وَأَبَاكَ فِي النَّارِ». فيه أن من مات على الكفر فهو في النار، ولا تنفعه قرابة المقربين، وفيه أن من مات في الفترة على ما كانت عليه العرب من عبادة الأوثان فهو من أهل النار، وليس هذا مؤاخذة قبل بلوغ الدعوة، فإن هؤلاء كانت قد بلغتهم دعوة إبراهيم وغيره من الأنبياء صلوات الله تعالى وسلامه عليهم، وقوله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ أَبِي وَأَبَاكَ فِي النَّارِ» هو من حُسْنِ العشرة للتسلية بالاشتراك في المصيبة»(4).
وقد ذهب بعضُ أهل العلم إلى أن الله قد أحيا لنبينا صلى الله عليه وسلم أبويه فآمنا به، إكرامًا له، ولم يُرْوَ ذلك من طريق صحيح تثبت به الحُجَّة، قال العظيم آبادي: «كل ما ورد بإحياء والديه صلى الله عليه وسلم وإيمانهما ونجاتهما أكثره موضوعٌ مكذوب مفترى، وبعضه ضعيف جدًّا لا يصحُّ بحال، لاتفاق أئمة الحديث على وضعه وضعفه كالدارقطني والجوزقاني وابن شاهين والخطيب وابن عساكر وابن ناصر وابن الجوزي والسهيلي والقرطبي وجماعة»(5).
ولو ثبت شيءٌ من هذا لكنا أسعد الناس به، وأكثرهم حفاوة وغبطة به، ولكنه لم يثبت، فلله الأمر من قبل ومن بعد، وعدل منه كلُّ ما يصنع.
وأرى عدم تشقيق القول في هذه القضية، فقد لا تبلغها عقولُ كثير من الناس فتكون لبعضهم فتنة، وخير لنا أن نشتغل بما يترتب عليه عمل. والله تعالى أعلى وأعلم

—————————–

(1) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب «المناقب» باب «قصة خزاعة» حديث (3521)، ومسلم في كتاب «الجنة وصفة نعيمها وأهلها» باب «النار يدخلها الجبارون والجنة يدخلها الضعفاء» حديث (2856) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(2) أخرجه مسلم في كتاب «الإيمان» باب «بيان أن من مات على الكفر فهو من أهل النار» حديث (203) من حديث أنس رضي الله عنه.
(3) أخرجه مسلم في كتاب «الجنائز» باب «استئذان النبي صلى الله عليه وسلم ربه عز وجل في زيارة قبر أمه» حديث (976) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(4) «شرح النووي على صحيح مسلم» (3/ 79).
(5) عون المعبود (12/494).

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   06 الإيمان باليوم الآخر

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend