فضيلة الشيخ صلاح، سؤالي من أسهل وأصعب الأسئلة، وأمثلته نراها كل يوم في كل مكان، من فضلك أفتني فيمن يأخذ حقه بيده، ولاحظ من فضلك أني تركته «الحق» بدون تمييز؛ لأنني أقصد كل صور الحق، سواء أكان يؤكل مالك وأنت تستطيع أن تسترده، فهل من الحلال أن تسترده؟ وسواء عرض أو شرف أو حتى سباب، هل من حقك أن تسعى في استرداد حقك عملًا بقوله تعالى: ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ﴾ [البقرة: 179]، أم تتركه وتترك الألم يعتصرك؟ أرجوك بالله عليك أن ترد علي بإجابة شافية تشتمل على حل.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فالأصل أن استيفاء الحقوق يكون من خلال القضاء أو الصلح أو التحكيم، ولا يترك الناس يستوفون الحقوق بأيديهم فيبغي بعضهم على بعض ويعدو بعضهم على بعض، ومن أجل هذا كان لابد للناس من إمارة بَرَّة كانت أو فاجرة، فلا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم.
ولهذا كان نصب القضاة للفصل في الخصومات من أوجب الواجبات الشرعية، ولكن في بعض الحالات عندما يظفر الإنسان بحقه وتعوزه إقامة البينة القضائية لإثباته ويكون حقه واضحًا لا لبس فيه ولا منازعة حوله في باب الديانة، فهنا يجوز على سبيل الاستثناء استيفاء الحق في هذه الحالة إذا أمن الفتنة وأمن العقوبة، وهي التي يسميها الفقهاء بمسألة الظفر، استنادًا إلى قوله تعالى:﴿وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ﴾ [النحل: 126] على أن يعرف أن هذا استثناء وليس هو الأصل، وأن يكون الحق المراد استيفاؤه كما سبق ثابتًا لا لبس فيه ولا منازعة حوله، ولا يفوتنا أن ننبه على فضيلة العفو، وأن من عفا وأصلح فأجره على الله.
ثم تبقى بعد ذلك بقية؛ وهي أنه ينبغي التفريق بين ما يمكن استيفاؤه من الحقوق المادية وما لا يمكن استيفاؤه من الحقوق المعنوية، ففي حالة العرض والمظالم المتعلقة بالشرف لا يتسنى لك الاستيفاء في مثل ذلك إلا من خلال عقوبة توقع على الظالم، واستيفاء العقوبات مرده إلى السلطان لا غير، اللهم إلا إذا قصدت الجهر بالسوء من القول، وأن تشيع بين الناس أن فلانًا قد ظلمك واستطال على عرضك، فهذا الذي لا حرج فيه لقول الله ﴿لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا﴾ [النساء: 148] والله تعالى أعلى وأعلم.