هل منذ أول يوم في القبر يبدأ الحساب مع العبد إلى قيام الساعة، ولا يبدأ ساعة ولا ساعتين ثم يتنعم إما بجنة أو نار؟ ربنا يجعلنا من أهل الجنة. آمين، وجزاكم الله خيرًا.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فإن الظَّاهر من الأدلة أن سؤال القبر يكون بعد أن يوضع الإنسان في قبره وينصرف عنه المشَيِّعُون، ثم يكون القبر بعد ذلك إمَّا روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار. نسأل الله لنا ولكم العافية.
ففي حديث البراء بن عازب قال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنازةِ رجل من الأنصار، فانتهينا إلى القبر ولـمَّا يلحَّد، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وجلسنا حوله وكأن على رءوسنا الطير، وفي يده عود ينكت في الأرض(1)، فرفع رأسه فقال: «اسْتَعِيذُوا بِالله مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ» مرتين أو ثلاثًا، ثم ذكر صفةَ قَبْض روح المؤمن ونعيمه في القبر، ثم قال: «وَإِنَّ الْعَبْدَ الْكَافِرَ إِذَا كَانَ فِي انْقِطَاعٍ مِنَ الدُّنْيَا وَإِقْبَالٍ عَلَى الْآخِرَةِ نَزَلَ إِلَيْهِ مِنَ السَّمَاءِ مَلَائِكَةٌ سُودُ الْوُجُوهِ مَعَهُمُ الْـمُسُوحُ(2) فَيَجْلِسُونَ مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ، ثُمَّ يَجِيءُ مَلَكُ الْـمَوْتِ حَتَّى يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَيَقُولُ: أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْـخَبِيثَةُ، اخْرُجِي إِلَى سَخَطٍ مِنَ الله وَغَضَبٍ».
قال: «فَتُفَرَّقُ فِي جَسَدِهِ فَيَنْتَزِعُهَا كَمَا يُنْتَزَعُ السَّفُّودُ(3) مِنَ الصُّوفِ الْـمَبْلُولِ، فَيَأْخُذُهَا، فَإِذَا أَخَذَهَا لَمْ يَدَعُوهَا فِي يَدِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ حَتَّى يَجْعَلُوهَا فِي تِلْكَ الْـمُسُوحِ، وَيَخْرُجُ مِنْهَا كَأَنْتَنِ رِيحِ جِيفَةٍ وُجِدَتْ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، فَيَصْعَدُونَ بِهَا فَلَا يَمُرُّونَ بِهَا عَلَى مَلَأٍ مِنَ الْـمَلَائِكَةِ إِلَّا قَالُوا: مَا هَذَا الرُّوحُ الْـخَبِيثُ؟ فَيَقُولُونَ: فُلانُ بنُ فُلَانٍ بِأَقْبَحِ أَسْمَائِهِ الَّتِي كَانَ يُسَمَّى بِهَا فِي الدُّنْيَا، حَتَّى يُنْتَهَى بِهِ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيُسْتَفْتَحُ لَهُ فَلَا يُفْتَحُ لَهُ». ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : ﴿لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ﴾ [الأعراف: 40].
«فَيَقُولُ اللهُ عز وجل : اكْتُبُوا كِتَابَ عَبْدِي فِي سِجِّينٍ فِي الْأَرْضِ السُّفْلَى، وَتُطْرَحُ رُوحُهُ طَرْحًا». ثم قرأ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : ﴿وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ﴾[الحج: 31].
«فَتُعَادُ رُوحُهُ فِي جَسَدِهِ، وَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ فَيُجْلِسَانِهِ فَيَقُولَانِ لَهُ: مَنْ رَبُّكَ؟ فَيَقُولُ: هَاهْ هَاهْ لَا أَدْرِي. فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ؟ فَيَقُولُ: هَاهْ هَاهْ لَا أَدْرِي. فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ أَنْ كَذَبَ فَأَفْرِشُوهُ مِنَ النَّارِ، وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى النَّارِ فَيَأْتِيهِ مِنْ حَرِّهَا وَسَمُومِهَا، وَيُضَيَّقُ عَلَيْهِ قَبْرُهُ حَتَّى تَخْتَلِفَ فِيهِ أَضْلَاعُهُ، وَيَأْتِيهِ رَجُلٌ قَبِيحُ الْوَجْهِ قَبِيحُ الثِّيَابِ مُنْتِنُ الرِّيحِ فَيَقُولُ: أَبْشِرْ بِالَّذِي يَسُوءُكَ، هَذَا يَوْمُكَ الَّذِي كُنْتَ تُوعَدُ. فَيَقُولُ: مَنْ أَنْتَ فَوَجْهُكَ الْوَجْهُ الَّذِي يَجِيءُ بِالشَّرِّ؟ فَيَقُولُ: أَنَا عَمَلُكَ الْـخَبِيثُ. فَيَقُولُ: رَبِّ لَا تُقِمِ السَّاعَةَ»(4).
والحديث صححه الشيخ الألباني في كتابه «أحكام الجنائز»(5). والله تعالى أعلى وأعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(1) نكَت الأرضَ وفيها نكتًا: أثَّر فيها بعود أو نحوه. «المعجم الوسيط» (نكت).
(2) جمع مسح، وهو: الكساء من شعَر. «المعجم الوسيط» (مسح).
(3) السفود: عود من حديد ينظم فيه اللحم ليشوى. «المعجم الوسيط» (سفد).
(4) أخرجه أحمد في «مسنده» (4/287) حديث (18557)، وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (3/49-50) وقال: «رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح».
(5) «أحكام الجنائز» (108).