هل النصارى واليهود في الجنة أم في النار؟ أو بمعنًى آخر هل منهم من يدخل الجنةَ ومنهم من يدخل النَّار؟ وإذا قلتم إن منهم من يدخل الجنةَ ومنهم من يدخل النَّار فما قولكم في هذه الآيات: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [آل عمران: 85]، ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ [النساء: 48].
ومن المعلوم أن النصارى غيرُ مُوحِّدين بالله، واليهود أشركوا وكفروا بالله، فأفتونا جزاكم اللهُ خَيْرًا.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فإن هذه المللَ في زمانها وقبل أن تُنسخ بالإسلام كانت مِلَلًا صحيحةً يُتديَّن بها ويدخل النَّاسُ الجنة من خلالها، فموسى نبيُّ الله ورسولُه، وكذلك عيسى عليهما السلام، وقد أرسلهما اللهُ تعالى إلى بني إسرائيل، وأنزل التوراةَ على موسى وأنزل الإنجيل على عيسى، وأمر أقوامهما باتِّباعهما، ووُعدوا على ذلك بالجنة، وفي القُرْآن الكريم سورةٌ كاملة عن أصحاب الأخدود، وعما جرى للمؤمنين يومئذٍ من التحريق، وعن شهادة الله بالإيمان، وما كان هؤلاء الشهداء إلا من النصارى.
أمَّا بعد بَعْثة محمدٍ ﷺ فلا يقبل اللهُ من النَّاس دينًا إلا الإسلام، ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [آل عمران: 85].
أمَّا الجنة والنَّار فلا نشهد بها لمُعيَّنٍ، لا من المسلمين ولا من غير المسلمين، وإنما نقول في الجملة: إن من دان بالإسلام فهو من أهل الجنة، ومن لم يَدِنْ بدين الإسلام فهو من أهل النار، أمَّا المُعيَّن منهم فلا نشهد له بشيءٍ من ذلك إلا مَن ورد فيه نصٌّ بعينه، كالمُبشَّرين بالجنة من أهل الإسلام، ومن توعَّدهم اللهُ بالنَّار من أئمة الكفر كقارون وفرعون وهامان، كما نؤمن بأن اللهَ لا يُعذِّب أحدًا بالنَّار يوم القيامة إلا إذا كان قد بَلغَتْه الحجة؛ لعموم قوله تعالى: ﴿مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا﴾ [الإسراء: 15]، وأن من لم تبلغه الحجة في الدُّنْيا أو بلغته بلاغًا مشوهًا فإنه يأخذ حكم أهل الفترات، يُمتحن في عَرَصات يوم القيامة، فيُوقِد اللهُ لهم نارًا فيأمرهم بدخولها فمَن أطاعه جعلها عليه بردًا وسلامًا، ومن عصاه أكبَّه فيها على وجهه، والله أعلم بما كانوا عاملين(1). واللهُ تعالى أعلى وأعلم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ففي الحديث المتفق عليه؛ الذي أخرجه البخاري في كتاب «القدر» باب «الله أعلم بما كانوا عاملين» حديث (6597)، ومسلم في كتاب «القدر» باب «معنى كل مولود يولد على الفطرة» حديث (6597)، من حديث ابن عباس رضي الله عنه قال: سئل رسول الله ﷺ عن أطفال المشركين، قال: «الله أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ إِذْ خَلَقَهُمْ».
وأخرج أحمد في «مسنده» (4/24) حديث (16344)، والبيهقي في «الاعتقاد» (169) من حديث الأسود بن سريع رضي الله عنه : نبي الله ﷺ قال: «أربعة يوم القيامة يعني يدلون على الله بحجة: رجل أصم لا يسمع، ورجل أحمق، ورجل هرم، ورجل مات في فترة، فأما الأصم فيقول: رب لقد جاء الإسلام وما أسمع شيئًا. وأما الأحمق فيقول: رب لقد جاء الإسلام والصبيان يحذفونني بالبعر. وأما الهرم فيقول: رب لقد جاء الإسلام وما أعقل شيئًا. وأما الذي مات في فترة فيقول: رب ما آتاني الرسول. فيأخذ مواثيقهم ليطيعنه ويرسل إليهم أن ادخلوا النار. فوالذي نفس محمد بيده لو دخلوها ما كانت عليهم إلا بردًا وسلامًا». وقال البيهقي: «وبهذا الإسناد عن قتادة عن الحسن عن أبي رافع عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ بنحو من هذا. وهذا إسناد صحيح».
وقد تناول الإمام ابن كثير في «تفسيره» (3/29) الخلاف بالتفصيل فقال: «مسألة قد اختلف الأئمة رحمهم الله تعالى فيها قديمًا وحديثًا وهي الوالدان الذين ماتوا وهم صغار وآباؤهم كفار ماذا حكمهم؟ وكذا المجنون والأصم والشيخ الخرف ومن مات في الفترة ولم تبلغه دعوة وقد ورد في شأنهم أحاديث…» فارجع إليها إن شئت.