التسويق الهرمي

هنا شركة ماليزيَّة تبيع منتجاتٍ مفيدةً للصحة، ولكنها تتعامل بالنِّظام المتعدد الطَّبقات، حيث يقوم العضو بدفع ثلاثمائةٍ وعشرةِ ريالاتٍ مقابل العضوية وتسعة منتجات وكتالوج، ويحصل على مائة نقطة، ثم يحاول الدِّعاية للمنتج من خلال إشراك أعضاءٍ آخرين ويحصل على نقاطٍ وهكذا كلُّ عضو، وتستمرُّ الشبكة من الأعضاء بدون تحديدٍ لعدد الأعضاء، وكلما زاد العدد زادتِ النِّقاط، ويُمكن تحويلُ النِّقاط إلى عمولة ماليَّة بشرط المحافظة على شراء منتجاتٍ تعادل مائة نقطة شهريًّا.

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فما نحن عليه في هذه القضية هو ما أفتى به مجمع الفقه الإسلامي الدولي واللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء والدعوة وفضيلة الدكتور علي السالوس النائب الأول لرئيس المجمع، وغيرهم من أئمة أهل العلم، وهو القول بمنع هذه الشركات وأن التعامل معها لا يحل.
ووجه ذلك أن برامجها لا يمكن أن تنمو إلا في وجود من يخسر لمصلحة من يربح، سواء توقَّف النمو أم لم يتوقف، فالخسائر للطبقات الأخيرة من الأعضاء لازمة، وبدونها لا يمكن تحقيق العمولات الخيالية للطبقات العليا، وهذا يعني أن الأكثرية تخسر لكي تربح الأقلية، وكسبها بدون حقٍّ هو أكلٌ للمال بالباطل الذي حرمه الله.
كما أنها لا تقوم إلا على تغرير الآخرين، وبيع الوهم لهم لمصلحة القلة أصحاب الشركة، فمن يدخل لا غرض له في السلعة، وإنما كلٌّ يُقامر على أنه سيربح من العمولات، فالداخل يُغرَى بالثراء كي يدفع ثمن الانضمام إلى البرنامج، وفي حقيقة الأمر إن احتمال خسارته أضعاف أضعاف احتمال كسبه، وهذا هو الغرر المحرم الذي نهى عنه النبي ﷺ(1).
قال الرملي في «نهاية المحتاج»: «الغرر هو ما احتمل أمرين أغلبهما أخوفهما»(2).
والحاصل أن المنتجات التي تبيعها هذه الشركات ما هي إلا ستار للانضمام للبرنامج، بينما الانضمام للبرنامج إنما هو مقابل ثمن الغرر وأكل المال بالباطل.
فليس الأمر مجرد سمسرة كما يظنه البعض؛ إذ السمسرة عقد يحصل بمُوجَبه السمسار على أجرٍ لقاء بيع سلعة، أما التسويق الهرمي فالمسوق هو نفسه يدفع أجرًا لكي يكون مسوقًا، وهذا عكس السمسرة، كما أن الهدف في التسويق الهرمي ليس بيع بضاعة، بل جَذْب مسوِّقين جدد ليجذبوا بدورهم مسوقين آخرين وهكذا.
ونسوق لك في النهاية نصَّ فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء والدعوة في بلاد الحرمين في هذه القضية لعلها أن تزيد الأمر جلاء وتضع الأمور في نصابها:
إن هذا النَّوع من المعاملات مُحرَّم، وذلك أن مقصودَ الـمُعاملة هو العمولات وليس المنتج، فالعمولات تصل إلى عشرات الآلاف، في حين لا يتجاوز ثمن المنتج بضع مئات، وكلُّ عاقل إذا عُرض عليه الأمران فسيختار العمولات، ولهذا كان اعتمادُ هذه الشَّركات في التَّسْويق والدِّعاية لمنتجاتها هو إبراز حجم العمولات الكبيرة التي يُمكن أن يحصل عليها المشترك، وإغراؤه بالرِّبْح الفاحش مقابل مبلغ يسيرٍ هو ثمن المنتج، فالمنتج الذي تُسوِّقه هذه الشَّركات مُجرَّد ستارٍ وذريعة للحصول على العمولات والأرباح، ولما كانت هذه هي حقيقة هذه الـمُعاملة، فهي مُحرَّمة شرعًا لأمور:
أوَّلًا: أنها تضمَّنت الرِّبا بنوعيه، رِبا الفضل وربا النَّسيئة، فالمشترك يدفع مبلغًا قليلًا من المال ليحصل على مبلغ كبيرٍ منه، فهي نقودٌ بنقود مع التَّفاضل والتَّأخير، وهذا هو الرِّبا الـمُحرَّم بالنَّصِّ والإجماع، والمنتج الذي تبيعه الشَّركة على العميل ما هو إلا ستار للمبادلة، فهو غير مقصود للمشترك، فلا تأثير له في الحكم.
ثانيًا: أنها من الغَرَر الـمُحرَّم شرعًا؛ لأن المشتركَ لا يدري هل ينجح في تحصيل العدد المطلوب من المشتركين أم لا. والتَّسْويق الشَّبَكي أو الهرمي مهما استمرَّ فإنه لابُدَّ أن يصل إلى نهايةٍ يتوقَّف عندها، ولا يدري المشترك حين انضمامه إلى الهرم هل سيكون في الطَّبقات العليا منه فيكون رابحًا، أو في الطَّبقات الدُّنْيا فيكون خاسرًا.
والواقع أن مُعظَم أعضاء الهرم خاسرون إلا القِلَّة القليلة في أعلاه، فالغالب إذًا هو الخسارة، وهذه هي حقيقة الغَرَر، وهي التَّردُّد بين أمرين أغلبهما أخوفهما، وقد نهى النَّبيُّ ﷺ عن الغرر(3).
ثالثًا: ما اشتملت عليه هذه الـمُعاملة من أكل الشَّركات لأموال النَّاس بالباطل، حيث لا يستفيد من هذا العقد إلا الشَّركة، ومن ترغب إعطاءه من المشتركين بقصد خدع الآخرين، وهذا الذي جاء النَّصُّ بتحريمه في قوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ [النساء: 29].
رابعًا: ما في هذه الـمُعاملة من الغشِّ والتَّدْليس والتَّلبيس على النَّاس، من جهة إظهار المنتج وكأنه هو المقصود من الـمُعاملة والحال خلاف ذلك، ومن جهة إغرائهم بالعمولات الكبيرة التي لا تتحقَّق غالبًا، وهذا من الغشِّ الـمُحرَّم شرعًا، وقد قال عليه الصَّلاة والسَّلام: «مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنَّا»(4)، وقال أيضًا: «الْبَيِّعَانِ بِالْـخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَـهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَذَبَا وَكَتَمَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا»(5).
وأما القول بأن هذا التَّعامل من السمسرة، فهذا غيرُ صحيح؛ إذ السَّمسرة عقدٌ يحصل السمسار بمُوجَبه على أجرٍ لقاء بيع السِّلعة، أمَّا التَّسْويق الشَّبَكي فإن المشتركَ هو الذي يدفع الأجرَ لتسويق المنتج، كما أن السمسرةَ مقصودُها تسويقُ السِّلعة حقيقةً، بخلاف التَّسْويق الشَّبَكي، فإن المقصودَ الحقيقيَّ منه هو تسويق العمولات وليس المنتج؛ ولهذا فإن المشتركَ يُسوِّق لمن يُسوِّق لمن يُسوِّق… هكذا، بخلاف السمسرة التي يُسوِّق فيها السمسار لمن يُريد السِّلعة حقيقةً، فالفرق بين الأمرين ظاهر.
وأما القول بأن العمولات من باب الهبة فليس بصحيحٍ، ولو سُلِّمَ فليس كلُّ هبةٍ جائزةً شرعًا، فالهبة على القرض رِبًا؛ ولذلك قال عبد الله بن سلام لأبي بردة رضي الله عنه : «إنك في أرضٍ الرِّبا فيها فاشٍ، فإذا كان لك على رَجُلٍ حقٌّ فأَهْدَى إليك حِمْلَ تبنٍ أو حِمْلَ شعيرٍ أو حِمل قَتٍّ فإنه رِبًا». رواه البخاري في «الصَّحيح»(6).
والهبة تأخذ حكمَ السَّبَب الذي وُجدت لأجله؛ ولذلك قال عليه الصَّلاة والسَّلام في العامل الذي جاء يقول: هذا لكم وهذا أُهدي إليَّ. فقال عليه الصَّلاة والسَّلام: «أَفَلَا جَلَسْتَ فِي بَيْتِ أَبِيكَ وَأُمِّكَ فَتَنْظُرَ أَيُهْدَى إِلَيْكَ أَمْ لَا؟». مُتَّفق عليه(7).
وهذه العمولات إنما وُجدت لأجل الاشتراك في التَّسْويق الشَّبَكي، فمهما أُعطيت من الأسماء سواء هديَّة أو هبةً أو غير ذلك، فلا يُغيِّر ذلك من حقيقتها وحكمها شيئًا.
ومما هو جديرٌ بالذِّكر أن هناك شركاتٍ ظهرت في السُّوق سلكت في تعاملها مسلك التَّسْويق الشَّبَكي أو الهرمي مثل شركة (سمارتس واي) وشركة (جولد كويست) وشركة (سفن دايموند)، وحكمها لا يختلف عن الشَّركات السَّابق ذِكْرها، وإن اختلفت عن بعضها فيما تَعْرضه من منتجاتٍ. وبالله التَّوفيق، وصلَّى اللهُ على نبيِّنا محمدٍ وآلِه وصحبه.
فيُرجى الحذر، والبحث عن طرقٍ أخرى للكسب المشروع. بارك اللهُ فيكم، وأغناكم بحلاله عن حرامه. واللهُ تعالى أعلى وأعلم.

_____________________

(1) أخرجه مسلم في كتاب «البيوع» باب «بطلان بيع الحصاة والبيع الذي فيه غرر» حديث (1513) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه  قال: نهى رسول الله ﷺ عن بيع الحصاة وعن بيع الغَرر.

(2) «نهاية المحتاج» (3/405).

(3) أخرجه مسلم (1513).

(4) أخرجه الترمذي (1315) وصححه الألباني.

(5) متفق عليه: أخرجه البخاري (2110)، ومسلم (1532).

(6) أخرجه البخاري في كتاب «المناقب» باب «مناقب عبد الله بن سلام رضي الله عنه » حديث (3814).

(7) أخرجه البخاري (7197).

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   02 الربا والصرف, 06 قضايا فقهية معاصرة

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend