تصرف الزوج في مال زوجته الخاص بدون إذنها

حياكم الله، وجعل الجنة مثواي ومثواكم، اللهم آمين.
السؤال الأول: ما حكم الزوج الذي يتصرف في مال الزوجة بدون إذنها؟ مع العلم أنه غير محتاج.
السؤال الثاني: هل من حقها أن تمنعه؟
السؤال الثالث: إذا كانت المرأة قبل الزواج تشتغل، وكان لها دخل جيد، ولكن بعد الزواج لزمت البيت ونزل مستواها المعيشي جدًّا، فلم يعد لها أي دخل سوى معونة من الحكومة تعطيها للنساء إذا كان لهم أطفال، فطالب الزوج بهذا المبلغ لإدخاله في مصروف البيت. هل لها أن تمتنع؟ لأن الزوج يشح عليها في بعض الأمور فتنفق على نفسها وابنتها منه. هل هي محقة في هذا أم لا؟ وهل هي مذنبة إن لم توافق زوجها عن ذلك؟
من أجل مساعدتكم في فهم هذا الموضوع: إنه يخص عدد كبير من النساء في كندا، وقد خلق مشاكل كثيرة بين الزوجين في حق تملك هذا المبلغ الذي يأتي كل شهر باسم الزوجة، فماذا يُعتبر هذا؟ هل هي صدقة من الحكومة للنساء، ويصبح المبلغ ملك المرأة وحدها دون الرجل، وهي حرة في التصرف فيه؟ وهل من حق الرجل أن يمتنع عن القوامة على المرأة بهذه الحجة ويطالبها أن تنفق على نفسها وهي في بيته وفي عصمته؟
ملحوظة: المعونة المالية هذه تأتي كل شهر الأولى قدرها 100دولار على كل طفل، والثانية حوالي 480 دولارًا، وكلها تأتي باسم المرأة؛ مما جعل النساء يستأثرن بها وحدهن، ويعتبرنها مالًا خاصًّا بهن وخصوصًا من لا يشتغلن، وأريد أن أخبر حضرتكم أن كثيرًا من النساء يساعدن في مصروف البيت، وذلك برضاهن، وبارك الله فيكم، وجزاكم الله خيرًا عنا. أختكم من كندا.

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فالأصل أن للمرأة المسلمة ذمتها المالية المستقلة، فهي أهل للتحمُّل وأهل للأداء، وتتحمل غُرم تصرفاتها، ولها غنمها دينية كانت أو دنيوية، وليس لزوجها أن يأخذ مالها قسرًا عنها صداقًا كان أو إرثًا، أو غيره؛ فقد قال تعالى في صداق النساء: ﴿وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا﴾ [النساء: 4]، وقال صلى الله عليه وسلم : «لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ»(1).
وما ثبت من حق لها على شيء، فإن لها أن تستأثر بالتمتع بمباشرة حقوق الملكية عليه، وأن تمنع غيرها من ذلك زوجًا كان أو غيره، ولكن هذا فيما كان واضحًا من الحقوق، أما ما كان موضع التباس فهو الذي يأتمر الناس فيه بالمعروف حتى يبين لكل ذي حق حقه، فالمعونة التي تأتي باسم المرأة وتوجه إليها ينبغي أن تكون صاحبة ولاية في توجيهها؛ لأنها قد قدمت إليها، وقد تمنعها من مباشرة بعض التصرفات، أو الانتفاع ببعض المرافق الأخرى، وفي الوقت نفسه لا ينبغي أن تحرم زوجها من حق ترشيد قراراتها والانتفاع بمشورته وتوجيهه في ذلك، فإن له شبهة حق في هذا المال، فما قدم هذا المال إليها إلا باعتبارها زوجة، ولإعانتها في تدبير شئون بيتها، هذا البيت الذي جعل الله القوامة فيه للزوج، فالحقوق هنا متداخلة، والاعتبارات متشابكة ومتمازجة، ولا ينبغي لأصحاب المروءة أن يجعلوا من معونة تقدم إليهم سببًا من أسباب الشقاق، وبابًا من أبواب التفرق وفساد ذات البين.
أما ما قدم للأطفال فقد قدم للأسرة القائمة عليهم لتوجيهه في مصالحهم، وإنفاقه في تدبير معاشهم، وولاية الزوج في ذلك أظهر، وحقه في التوجيه والتقويم هنا أغلب، لأنه القيِّم على البيت والمسئول شرعًا وعرفًا عن تدبير شئونه المادية والأدبية، وإن كان هذا لا يعني التسلط والاستبداد، بل الشورى هي الطابع الذي يطبع الحياة المسلمة في جليل شئونها ودقيقه، وقد قال تعالى في فطام الطفل الرضيع قبل عامين: ﴿فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا﴾ [البقرة: 233]، فليس للأم أن تستبد بالقرار في هذا الفصال، وليس للأب ذلك، بل التراضي والتشاور!
وينبغي للزوجين، لاسيما في هذه البلاد التي تعوَّد الناس فيها على التخطيط والتدبير- أن يأتمرا بينهما بالمعروف فيما يتعلق بسياسة النفقة وتدبير أمور المعاش، وأن يكون ذلك بسخاوة نفس وطيب خاطر، وأن يكون مَبناهُ على التراحم والتسامح، وليس على المغالبة والمشاحة، وإن احتاجا إلى بعض أهل العلم ليجلس معهما في إفراز بعض الحقوق في بعض الحالات فلا حرج في ذلك، فإنما شفاء العِيِّ السؤال(2).
وليس للزوج أن يسارع إلى حجبِ النفقة عن زوجه وولده عند أول خلاف بينهما؛ فإن هذا مما يوغر الصدور ويوحش النفوس، لاسيما أنه لا علاقة للولد بما يكون بين الزوجين من خصومات؛ فإن حقه ثابت على أبيه في جميع الحالات، لا يبطله جور جائر، ولا عدل عادل، ولا ينبغي للمرأة المسلمة أن تسمح بأن تنتقل إليها عدوى النزعات النسوية التي تموج بها هذه المجتمعات، فوالله ما انبثقت من مشكاة الشريعة، ولا كانت أثرًا من مواريث الأنبياء، أو قبسًا من ضيائهم، بل هي الجهالة الجهلاء والضلالة العمياء، وإن تقنَّعت بثوب من الشعارات المموهة المبهرجة في بعض المواقف. ونسأل الله التوفيق والهدى للجميع، والله تعالى أعلى وأعلم.

___________________

(1) أخرجه أحمد في «مسنده» (5/72) حديث (20714)، وأبو يعلى في «مسنده» (3/140) حديث (1570) من حديث عم أبي حرة الرقاشي رضي الله عنه ، وذكره الألباني في «صحيح الجامع» حديث (7662).

(2) أخرج أبو داود في كتاب «الطهارة» باب «في المجروح يتيمم» حديث (336) من حديث جابر بن عبد الله ب قال: خرجنا في سفر فأصاب رجلًا منا حجر فشجَّه في رأسه ثم احتلم فسأل أصحابه فقال: هل تجدون لي رخصة في التيمم؟ فقالوا: ما نجد لك رخصة وأنت تقدر على الماء. فاغتسل فمات، فلما قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم  أخبر بذلك فقال: «قَتَلُوهُ قَتَلَهُمْ الله؛ أَلَا سَأَلُوا إِذْ لَمْ يَعْلَمُوا فَإِنَّمَا شِفَاءُ الْعِيِّ السُّؤَالُ، إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيهِ أَنْ يَتَيَمَّمَ وَيَعْصِرَ أَوْ يَعْصِبَ عَلَى جُرْحِهِ خِرْقَةً ثُمَّ يَمْسَحَ عَلَيْهَا وَيَغْسِلَ سَائِرَ جَسَدِهِ»، وذكره ابن الملقن في «البدر المنير» (2/615) وقال: «هذا إسناد كل رجاله ثقات»، وحسنه الألباني في «مشكاة المصابيح» حديث (531).

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend